كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 42 """"""
وكان لهم ملك يقال له درمشيل ؛ وكان جباراً عاتياً قوياً ، وهو أول من شرب الخمر واتخذ القمار وقعد على الأسرة واتخذ الثياب المنسوجة بالذهب وأمر بصنعة الحديد والنحاس والرصاص ؛ وكان هو وقومه يعبدون الأصنام الخمسة : وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا ؛ ثم اتخذ ألف صنم وسبعمائة صنم على صور شتى ، واتخذ لها كراسي من الذهب والفضة ، وأقام لها الخدم يخدمونها ؛ فاعتزلهم نوح إلى البراري ولم يخالطهم حتى بعثه الله تعالى نبياً ؛ والله أعلم بالصواب .
ذكر مبعث نوح عليه السلام
قال : فأمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يهبط إلى نوح ويبشره بالنبوة والرسالة ؛ فهبط جبريل عليه ، وجاءه بوحي الله أن يسير إلى درمشيل الملك وقومه ويدعوهم إلى عبادة الله تعالى ؛ فأقبل نوح إلى قومه من يومه وكان يومن عيدهم وقد نصبوا أصنامهم على أسرتها وكراسيها ، وهم يقربون القرابين لها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك يخرون لها سجداً ويشربون الخمر ، ويضربون بالصنج ، ويأتون النساء كالبهائم من غير تستر فجاءهم وهم يزيدون على تسعين زمرة ، كل زمرة لا يحصون كثرة ، فاخترق الصفوف حتى صار في وسط القوم ، وسأل الله تعالى أن ينصره عليهم ؛ فلما أرادوا السجود للأصنام نادى : أيها القوم ، إني قد جئتكم بالنصيحة من عند ربكم أدعوكم إلى عبادته وطاعته ، وأنهاكم عن عبادة هذه الأصنام " فاتقوا الله وأطيعون " . فخرقت دعوته الأسماع ، وهوت الأصنام عن كراسيها ، وسقط الملك عن سريره مغشياً عليه ، فلما أفاق قال : يا أولاد قابيل ، ما هذا الصوت الذي لم أسمع مثله ؟ قالوا : أيها الملك ، هذا صوت رجل منا اسمه نوح بن لمك كان يجانبنا قبل ذلك بجنونه ، والآن قد اشتد عليه فقال ما قال . فغضب الملك واستدعاه ، فأتوه به بعد أن ضربوه الضرب الشديد ؛ فقال له : من أنت ، فقد ذكرت آلهتنا بسوء ؟ قال : أنا نوح بن لمك رسول رب العالمين ، جئتكم بالنصيحة من عند ربكم لتؤمنوا به وبرسوله ، وتهجروا هذه الأصنام والقبائح . فقال درمشيل ؛ إنك قد جئتنا بما لا نعرفه ، ولا نعتقد أنك عاقل ، فإن كان بك جنة فنداويك أو فقر