كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 43 """"""
فنواسيك . قال : يا قوم ، ما بي جنون ولا حاجة إلى ما في أيديكم ، ولكني أريد أن تقولوا : لا إله إلا الله وإني نوح رسول الله . فغضب درمشيل وقال : لولا أنه يوم عيد لقتلناك .
فأول من آمن به امرأة من قومه يقال لها : عمرة فتزوجها فأولدها ساما وحاما ويافث وثلاث بنات ؛ ثم آمنت به امرأة أخرى من قومه يقال لها : والعة فتزوجها فأولدها كنعان ؛ ثم نافقت وعادت إلى دينها .
وكان نوح يخرج في كل يوم في أندية لقومه يدعوهم إلى عبادة الله تعالى فيضربونه حتى يغشى عليه ، ويجرون برجله فيلقونه على المزابل ، فإذا أفاق عاد إليهم بمثل ذلك ، ويعاملونه بمثله ؛ حتى أتى عليه ثلاثمائة سنة وهو على هذه الحال ؛ ثم مات ملكهم درمشيل ، وملك بعده ابنه بولين ، وكان أعتى وأطغى من أبيه وكان نوح يدعوهم في القرن الرابع على عادته ، فيضربونه ويشتمونه ، وربما سفوا عليه التراب ويقولون : إليك عنا يا ساحر يا كذاب . ويضعون أصابعهم في آذانهم ؛ فينصرف عنهم ويعد إليهم ، وإذا خلا بالرجل منهم دعاه ، وهم لا يزدادون إلا عتوا وتمرداً واستكباراً ، وذلك قوله تعالى : " قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً " الآيات .
ثم دعاهم حتى استكمل ستة قرون ؛ فلما دخل القرن السابع مات ملكهم بولين واستخلف عليهم ابنه طفردوس - وكان على عتو أبيه - وكان نوح يأتي أصنامهم بالليل وينادي بأعلى صوته : يا قوم ، قولوا " لا إله إلا الله وإني نوح رسول الله " . فتنكس الأصنام ؛ وكانوا يضربون نوحاً ضرباً شديداً ، ويدوسون بطنه حتى يخرج الدم من أنفه وأذنيه .
وكان الرجل منهم عند وفاته يوصي أولاده ويأخذ عليهم العهد ألا يؤمنوا به ، ويأتي الرجل بابنه إلى نوح ويقل : يا بني انظر إلى هذا فإن أبي حملني إليه وحذرني منه ، فاحذره أن يزيلك عما أنت عليه فإنه ساحر كذاب . وهو بعد ذلك يدعوهم ؛ فضجت الأرض إلى ربها وقالت : ما حلمك على هؤلاء ؟ وضح كل شيء إلى ربه من عتوهم ، ونوح يدعوهم ويذكرهم بآيات الله ؛ فلما كان في بعض