كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 44 """"""
الأيام إذا هو برجل من كبار قومه قد أقبل بولده يحذره منه ؛ فضرب الغلام بيده إلى كف تراب وضرب به وجه نوح ، فعند ذلك قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً . فأمنت الملائكة على دعوته ، فمنع الله عنهم القطر والنبات ؛ فعلم نوح أن الله مهلك قومه ؛ فأحب أن يؤمن بعضهم إن لم يؤمنوا كلهم ؛ فأوحى الله تعالى إليه : " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تتئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " .
ذكر عمل السفينة
قال : وأوحى الله تعالى إليه أن يتخذها في ديار قومه ، وأن يجعلها ألف ذراع طولاً وخمسمائة عرضاً وثلاثمائة ارتفاعاً ، فأعد آلات النجارة ، وشرع في عملها وأعانه أولاده ومن آمن من قومه ، والناس يسخرون منه ويقولون : بعد النبوة صرت نجاراً ، ونحن نشكو القحط ، وأنت تبني للغرق . قال الله تعالى : " ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون " ؛ وكانوا يأتون السفينة بالليل فيشعلون فيها النار ولا تحترق ، فيقولون : هذا من سحرك يا نوح .
وجعل نوح رأس السفينة كرأس الطاوس ، وعنقها كعنق النسر ، وجؤجؤها كجؤجؤ الحمامة ، وكوثلها كذنب الديك ، ومنقارها كمنقار البازي ، وأجنحتها كأجنحة العقاب ؛ ثم غشاها بالزفت ، وجعلها سبع طبقات لكل طبقة باب ؛ فلما فرغ من بنائها نطقت بإذن الله وقالت : لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين ، أنا السفينة ، من ركبني نجا ، ومن تخلف عني غرق ، ولا يدخلني إلا أهل الإخلاص . فقال نوح لقومه : أتؤمنون ؟ قالوا : هذا قليل من سحرك . ثم استأذن ربه في الحج ، فأذن له ؛ فلما خرج هم القوم بإحراقها ، فأمر الله الملائكة فاحتملوها إلى الهواء ، فكانت معلقة حتى عاد من حجه . ولما قضى مناسكه رأى تابوت آدم عن يمين الكعبة ، فسأل ربه في ذلك التابوت فأمر الملائكة فحملوه إلى دار نوح - وكانت يومئذ في مسجد الكوفة - فلما رجع من حجة نزلت السفينة من الهواء ، ثم أوحى الله إليه : أن قد دنا هلاك

الصفحة 44