كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 45 """"""
قومك " فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم " . ثم أمره الله تعالى أن ينادي في الوحش والسباع والطير والهوام والأنعام ؛ فوقف على سطح منزله ، ونادى : " هلموا إلى السفينة المنجية " . فمرت دعوته إلى الشرق والغرب والبعد والقرب ، فأقبلت إليه أفواجاً .
فقال : إنما أمرت أن أحمل من كل زوجين اثنين ، فأقرع بينهم ، فأصابت القرعة من أذن الله في حمله ، وكان معه من بني آدم ثمانون إنساناً بني رجل وامرأة ؛ فلما كان في مستهل شهر رجب نودي من التنور وقت الظهر : قم يا نوح فاحمل في سفينتك من كل زوجي اثنين من الذكر زوجاً ومن الأنثى زوجاً ، فحملها . وكان معه جسد آدم وحواء ؛ وتباطأ عليهم الحمار في صعوده ، لأن إبليس تعلق بذنبه ؛ فقال نوح بالنبطية : على سيطان ، يعني ادخل يا شيطان ؛ فدخل ومعه إبليس فرآه نوح فقال : يا ملعون ، من أدخلك ؟ قال : أنت حيث قلت : على سيطان : فعاهده ألا يغوي أهل السفينة ما داموا فيها ؛ ثم أوحى الله إلى جبريل أن يأمر خزنة الماء أن يرسلوه بغير كيل ولا مقدار وأن تضرب المياه بجناح الغضب . ففعل ذلك ، ونبعت العيون ، وهطلت السماء " فالتقى الماء على أمر قد قدر " وكان ماء السماء أخضر ، وماء الأرض أصفر ؛ وأمر الله الملائكة أن يحملوا البيت إلى سماء الدنيا ؛ وكان الحجر يومئذ أشد بياضاً من الثلج ، فيقال إنه أسود من خوف الطوفان ، وقال نوح عند ركوبه السفينة ما أخبرنا الله عنه في كتابه العزيز : " وقال اركبوا فيها باسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بنيهما الموج فكان من المعرقين " .
قال : كان ابنه هذا كنعان .
قال : وكانوا لا يعرفون الليل من النهار إلا بخرزة كانت مركبة في صدر السفينة بيضاء ، فإذا نقص ضوءها علموا أنه النهار ، وإذا ازداد علموا أنه الليل ؛ وكان الديك يصيح عند أوقات الصلاة ؛ وعلا الماء على الجبال أربعين ذراعاً ؛ وسارت