كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 46 """"""
السفينة حتى بلغت موضع الكعبة ، فطافت سبعاً ، ونطقت بالتلبية ؛ وكانت لا تقف في موقف إلا وتناديه : يا نوح هذه بقعة كذا ، وهذا جبل كذا ؛ حتى طافت به الشرق والغرب ورجعت إلى ديار قومه ، فقالت : يا نبي الله ، ألا تسمع صلصلة السلاسل في أعناق قومك ؟ قال الله تعالى : " مما خطيئاتهم أغرقوا فادخلوا ناراً " ؛ ولم تزل السفينة كذلك ستة أشهر آخرها ذو الحجة . وقيل : كان ركوب نوح ومن معه السفينة لعشر خلون من شهر رجب وذلك لتتمة ألفي سنة ومائتي سنة وخمسين سنة من لدن أهبط الله تعالى آدم عليه السلام وخرجوا منها في العاشر من المحرم بعد مضي ستة أشهر ؛ ثم استقرت على جبل الجودي ، قال الله تعالى : " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين ، ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ، قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح " .
قال : ثم فتح نوح باب السفينة ، فنظر إلى الأرض بيضاء من عظام قومه ؛ وبعث الغراب لينظر ما بقي على وجه الأرض من الماء ، فأبطأ ، فبعث الحمامة فانطلقت شرقاً وغرباً وعادت مسرعة ، فقالت : يا نبي الله ، هلكت الأرض ومن عيها ، وأما الماء فإني لا أراه إلا ببلاد الهند ، ولم تبق على وجه الأرض شجرة إلا الزيتون ، فإنها على حالها . فأوحى الله تعالى إلى نوح : " اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " فخرج من السفينة وأخرج من فيها ، وأعاد الله الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والأشجار والنبات كما كانت ، وتفرق الوحش والسباع والطيور وغيرها في الأرض ، وأمر نوح فبنيت قرية في أسفل جبل الجودي وسميت قرية ثمانين على عددهم .
قيل : هي الجزيرة ، وهي أول قرية بنيت على وجه الأرض بعد الطوفان ثم قسم نوح الأرض بين أولاده الثلاثة : سام وحام ويافث ، فأعطى سام الحجاز واليمن والشام ، فهو أبو العرب ، وأعطى حام بلاد المغرب فهو أبو السودان وأعطى يافث بلاد المشرق ، فهو أبو الترك .