كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
وكان فيهم رجل من أشرافهم اسمه الخلود بن معيد بن عاد ، وكان له بسطة في الخلق وقوة في الجسم ، مع الحسن والفصاحة ؛ وكان إذا قيل له : لم لا تتزوج وقد بلغت سن أبيك ؟ يقول : رأيت في المنام كأن سلسلة بيضاء قد خرجت من ظهري ، ولها نور كالشمس ، وقيل لي : إذا رأيت هذه السلسلة قد خرجت من ظهرك ثانية فتزوج بالتي تؤمر بتزوجها ؛ ولم أراها بعد ، وقد عزمت على التزوج . وقام ليعبر بيت الأصنام يدعو بالتوفيق في التزوج ، فلما هم بالدخول لم يقدر ، وسمع هاتفاً يقول : يا خلود ، ما لمن في ظهرك والأصنام ؟ فلم يعد إليها . ثم رأى بعد ذلك في منامه السلسلة وقد خرجت من ظهره وقائلاً يقول : " قم يا خلود فتزوج بابنة عمك " فانتبه وخطبها وتزوجه ، وواقعها فحملت بهود ؛ وأصبح القوم وهم يسمعون من جميع النواحي : هذا هود قد حملت به أمه ، ويلكم ، إن لم تطيعوه هلكتم .
ووضعته أمه في ليلة الجمعة ، فوقعت الرعدة على قبائل عاد ، ولم يعلموا ما حالهم ، فعلموا أن قد ولد لخلود ولد ، فقال بعضهم لبعض : ليكونن لهذا الولد شأن فاحذروه . فخرج أحسن الناس وجهاً ، وأكملهم عقلاً ، وسمته أمه عابر ، فرأته أمه ذات يوم يصلي ، فقالت : لمن هذه العبادة يا بني ؟ قال : لله الذي خلقني وخلق الخلق . قالت : أليس هي لأصنامنا ؟ قال : إن أصنامكم لا تضر ولا تنفع وإنما الشيطان قد زين لكم عبادتها . قالت : اعبد إلهك يا بني ، فقد رأيت منك حين كنت حملاً وطفلاً عجائب كثيرة .
ذكر مبعث هود - عليه السلام -
قال : ولم يزل هود في ديار قومه يجادلهم في أصنامهم ، حتى أتت عليه أربعون سنة ، فبعثه الله عز وجل إلى قومه رسولاً ، وأتاه الوحي ، فانطلق إليهم وهم متفرقون في الأحقاف ، وهي الرمال والتلال وكانت مساكنهم ما بين عمان إلى حضرموت إلى الأحقاف إلى عالجة فأتاهم في يوم عيد