كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 5 """"""
فيغور تارة وتارة ينجد ، فلا يرجع المطالع إلى ما كان قد أهمه إلا بعد مشقة ، وقد يعدل عنه إذا طالت المسافة وبعدت عليه الشقة .
فاخترت أن أقيم التاريخ دولاُ ، ولا أبغى عن دولة إذا شرعت فيها حولاُ ؛ حتى أسردها من أوائلها إلى أواخرها ، وأذكر جملاً من وقائعها ومآثرها ؛ وسياقة أخبار ملوكها ، ونظم عقود سلوكها ؛ ومقر ممالكه ، وتشعب مسالكها .
فإذا انقضت دمتها ، وانقرضت عدتها ؛ وانتقلت من العين إلى الأثر ، ومن العيان إلى الخبر ؛ رجعت إلى غيرها فقفوت أثرها ، وشرحت خبرها ، وبينت خبرها ؛ وذكرت أسبابها ، وسردت أنسابها ؛ وبدأت بأصلها ، وتفوهت بأخبار من نبغ من أهلها ؛ واستقصيتها دولة بعد دوله ، وجالت بي خيول المطالعة جولة ناهيك بها منجوله ؛ ورغبت مع ذلك في الأختصار دون الأقتصار ، وأوردت ما يحتاج إلى إيراده من غير تكرار أو إكثار .
فإن عرضت واقعة كانت بين ملكين كان وقتهما واحداً ، مكان الدهر لأحدهما على الأخر مساعداً ؛ شرحتها بجملته في أخبار الظافر منهما ؛ وأحلت في أخبار المغلوب عليها ، وأكتفيت بإيرادها في أحد الموضعين ولم أعرج في الآخر إلا بإشارة إليها .

الصفحة 5