كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
لهم وقد اجتمع الملوك على الأسرة والكراسي ، وملكهم الخلجان على سرير من ذهب وهو منسوج وقد أحدقت به قبائل عاد ، وهم في اللهو والطرب ؛ فلم يشعروا إلا وهود " قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون " وهذه الأصنام التي تعبدونها هي التي أغرقت قوم نوح ، ولستم أكرم على ربكم منهم ، فاستغفروا ربكم من عبادة هذه الأصنام . والأصنام تربح ؛ فقال له ملكهم : ويحك يا هود ، أقبل إلي . فتقدم إليه ، فلما صار بين يدي الملك صاح صيحة أجابه الوحش والسباع : أبلغ ولا تخف . فامتلأت قلوب الناس خوفاً ، فقام إليه رجل منهم وقال : يا هود ، صف لنا إلهك . فوصف عظمة الله ، وأنه " ليس كمثله شيء " - وكان الذي سأله عمرو بن الحلى - فلما فرغ من كلامه قال له الملك : يا هود ، أتظن أن إلهك يقدر علينا وهذه كثرة جموعنا وشدة قوتنا ؟ قال الله تعالى : " أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة " .
فأول من آمن بهود رجل من قومه يقال له جنادة بن الأصم وأربعون من بني عمه ؛ ث انصرف إلى منزله .
فلما كان من الغد أقبل جنادة وبنو عمه حتى وقفوا على جماعة من سادات قومه ، فقال : يا قوم لا تمنعكم مرارة الحق أن تقبلوه ، ولا حلاوة الباطل أن تتركوه ؛ وهذا ابن عمكم هود قد عرفتم صدقه ، وقد أتاكم من عند الله ورسولاً وواعظاً فاتقوا الله وأطيعوه . وحذرهم ، فحصبوه وشتموه ، فرجع إلى هود . فلما كان من الغد خرج هود فوقف عليهم وقال : يا قوم لا تبدلوا نعمة الله كفراً . وأخذ يعظهم ؛ فكذبوه وواجهوه بالقبائح ؛ فبقي على ذلك دهراً طويلاً يلاطفهم وهم على كفرهم وعتوهم ، فأعقم الله أرحام نسائهم ، فلم تحمل امرأة منهم ؛ فشكوا ذلك إلى الملك ، فأمرهم أن يخرجوا أصنامهم ويقربوا القرابين إليها ، ففعلوا ذلك ؛ فأتاهم هود وقال : يا قوم ألا تفزعون إلى الله الذي خلقكم وأعطاكم هذه النعمة والقوة ، فإنه يجيبكم إذا سألتموه ، ويزيدكم ملكاً إلى ملككم وقوة إلى قوتكم . وهو أن تقولوا معي : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإني هود عبده ورسوله " وإن لم تفعلوا ذلك ضربكم اله بالذل والنقمة ، وهبت عليكم الريح العقيم حتى تذركم في