كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 52 """"""
وكان القوم يشتمونه ويضربونه ويدوسونه تحت أرجلهم حتى يظنوا أنه قد مات ، ثم يولون عنه ضاحكين ؛ فيقوم غير مكترث بفعلهم ، فلما أكثر عليهم " قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله وأشهدوا أني بريء مما تشركون من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ " فآمن به من ذلك اليوم رجل يقال له نهيل .
قال : ولم يزل هود فيهم يحذرهم وينذرهم العذاب سبعين عاماً ؛ فلما رأى أنهم لا يؤمنون دعا الله تعالى أن يبتليهم بالقحط ، فإن آمنوا وإلا يهلكهم بعذاب لم يهلك به أحد قبلهم ولا بعدهم ؛ فاستجاب الله تعالى دعوته ، وأمره باعتزالهم بمن معه من المؤمنين ، فاعتزلهم فأمسك الله عنهم المطر ، وأجدبت الأرض ولم تنبت ومات عامة المواشي ؛ فصبروا على ذلك أربع سنين حتى يئسوا من أنفسهم ، وهموا أن يؤمنوا ؛ فنهاهم الملك عن ذلك وصبرهم ؛ فأجمعوا رأيهم أن يبعثوا رجالاً منهم إلى الحرم يستسقون لهم ؛ والله الفعال .
ذكر وفد عاد إلى الحرم يستسقون لهم
قال وهب : فجمعوا الهدايا ، واختاروا سبعين رجلاً من أشرافهم ، وجعلوا لكل عشرة منهم رئيساً ، من جملتهم مرثد المؤمن ؛ فسار وهو يدعو عليهم ؛ فلما أشرفوا على الحرم إذا بهاتف يقول :
قبح الله قوم عاد وذلوا . . . إن عاداً أشر أهل الجحيم سيروا الوفد كي يسقوا غياثاً . . . فسيسقون من شراب الحميم
فدخلوا الحرم والملك يومئذ معاوية بن بكر ، وكانوا أخواله ، فسألهم عما جاء بهم فأخبروه بخبر هود وبما حل بعاد ، وأنهم قد لجأوا إلى الحرم للاستسقاء ؛ فأنزلهم معاوية في منزل الضيافة ، وأطعمهم وسقاهم شهراً ؛ فشغلهم اللهو عن

الصفحة 52