كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 54 """"""
قال : فانتبه الناس وقاموا فاغتسلوا ولبسوا ثياباً جدداً ، وكسوا البيت بالكسوة التي حملوها له ؛ فجعل ينفضها ؛ فقال مرثد : يا قوم ، إن رب هذا البيت لا يقبل الهدية إلا من مؤمن ، فهل لكم أن تؤمنوا بهود ؟ فقالوا : يا مرثد : إن كلامك يدل على إيمانك به ، ونحن لا نؤمن به أبداً .
فأنشأ يقول :
أرى عاداً تمادى في ضلال . . . وقد عدلوا عن الأمر الرشيد
بما كفرت بربهم جهاراً . . . وحادوا رغبة عن دين هود
فاجتمعوا يستسقون ، فقال واحد منهم :
يا رب عاد اسقين عادا . . . إنك حقاً ترحم العبادا
فاسق البساتين وذي البلادا . . . أجواد غيث تتبع العهادا
وجعل كل واحد منهم يتكلم بما حضره من ذلك . ثم تكلم مرثد بن سعد - وهو المؤمن الذي يكتم إيمانه - وقال : اللهم إنا لم نأتك إلى حرمك إلا لأرض تسقيها ، أو أمة تحييها .
فأوحى الله إلى ملك السحاب أن ينشر لهم ثلاث غمامات : بيضاء وحمراء وسوداء ؛ وجعل السوداء مشوبة بغضبه ، فارتفعت البيضاء ، وتبعتها الحمراء خلفهما السوداء ، فارتفعت حتى رأى الوفد جميع الغمامات ؛ ففرحوا واستبشروا ثم نودوا : يا قيل ، اختر لقومك من هذه السحائب . فنظر فقال : أما البيضاء فإنها جهام لا ماء فيها ؛ وأما الحمراء فإنها إعصار ريح . فاختار السوداء . فنودي : يا قيل ، اخترت رماداً أرمداً ، لا يبقي من قوم عاد أحداً ، إلا تراهم في الديار همدا .
ذكر إرسال العذاب على قوم هود
قال : وأوحى الله إلى مالك خازن جهنم أن يقبض على سلاسل السوداء وليكن عليها ألف من الزبانية .

الصفحة 54