كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
قال كعب : إن هذه السلسلة غمست في سبعين وادياً من أودية الزمهرير ولولا ذلك لذابت الجبال من حرها .
فمدت الزبانية السلاسل ، وجعلت السحابة ترمي بشرر كالجبال ، وخرجت عليهم من واد يقال له : وادي الغيث فنظروا إليها فقال بعضهم لبعض : " هذا عارض ممطرنا " قال الله تعالى : " بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها " وأخرج القوم أصنامهم ونصبوها على أسرتهم ؛ فأمر الله تعالى خازن الريح العقيم أن يفتح بعض أطباقها ، فانطلقت ناشرة أجنحتها بعدد قبائل عاد ؛ فما عاينوا الملائكة يطوفون حول السحاب تيقنوا العذاب ، فأدخلوا النساء والولدان في الحصون وخرجوا ونشروا أعلامهم وأوتروا قسيهم ، وأفرغوا السهام بين أيديهم ، والرياح ساكنة تنتظر أمر ربها ، وهود قائم ينذرهم العذاب ، وهم يقولون : ستعلم يا هود من أشد منا قوة وبطشاً . حتى إذا كانت صبيحة الأربعاء ، خرجت الريح عليهم في يوم نحس مستمر ، فكانت في اليوم الأول شهباء ، فلم تترك على وجه الأرض شيئاً إلا نسفته نسفاً ؛ وفي اليوم الثاني صفراء ، فاقتلعت الأشجار ؛ وفي اليوم الثالث حمراء ، فدمرت كل شيء مرت عليه ؛ فلم يزل يجري في كل يوم لون والنساء ينظرن إلى فعلها بقومهن ، فجعلن يقلن شعراً :
ألا قد ذهب الده . . . ر بعمرو ذي العليات
وبالحارث والقمقا . . . م طلاع الثنيات
ومن سد مهب الري . . . ح في وقت البليات
واستمرت الريح " سبع ليال وثمانية أيام حسوماً " ، أي دائمة ، فلما كان في اليوم الثامن اصطفت القوم صفوفاً ، كل واحد إلى جنب أخيه ، وهم عشرة صفوف فجعل ملكهم الخلجان يشجعهم ويقول :
ما بال عاد اليوم خائفينا ؟ . . . أمن مهب الريح يجزعونا ؟
لقد خشيت أن يكونوا دونا . . . إن البنين تعقب البنينا