كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 58 """"""
من عود طيب ، قد نضدت عليه اليواقيت ؛ وقد فرشت تلك القصور باللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران ولم ير هنالك أحداً ، فأفزعه ذلك ، ثم نظر إلى الأزقة فإذا في كل زقاق منها أشجار قد أثمرت ، تحتها أنهار تجري ، فقال : هذه الجنة التي وصفها الله تعالى لعباده في الدنيا الحمد لله الذي أدخلني الجنة . فحمل من لؤلؤها وبنادق المسك والزعفران ولم يستطع أن يقلع من زبرجدها ولا ياقوتها لأنها كانت مشتبكة في أبوابها وجدرانها وكان اللؤلؤ وبنادق المسك والزعفران منثورة بمنزلة الرمل في تلك القصور والغرف ؛ فأخذ منها ما أراد ، وخرج ؛ ثم سار يقفو أثر ناقته حتى رجع إلى اليمن ، فأظهر ما كان معه ، وأعلم الناس بخبره ، وباع ذلك اللؤلؤ ، وكان قد اصفر وتغير من طول الزمان الذي مر عليه ، ففشا خبره وبلغ معاوية ، فأرسل رسولاً إلى صاحب صنعاء ، وكتب بإشخاصه ، فسار حتى قدم على معاوية ، فخلا به وسأله عما عاين ؛ فقص عليه أمر المدينة وما رأى فيها ؛ فاستعظم ذلك ، وأنكر ما حدث به ، وقال : ما أظن ما يقول حقاً . ثم قال : يا أمير المؤمنين ، معي من متاعها الذي هو مفروش في قصورها وغرفها وبيوتها . قال له : ما هو ؟ قال : اللؤلؤ والبنادق . فشم البنادق فلم يجد لها ريحاً ؛ فأمر ببندقة منها فدقت ، فسطع ريحها مسكاً وزعفراناً ، فصدقه عند ذلك ، ثم قال معاوية : كيف أصنع حتى أسمع باسم هذه المدينة ولمن هي ومن بناها ؟ والله ما أعطى أحد مثلما أعطى سليمان بن داود وما أظن أنه كان له مثل هذه المدينة . فقال بعض جلسائه : ما تجد خبر هذه المدينة إلا عند كعب الأحبار فإن رأى أمير المؤمنين أن يبعث إليه ويأمر بإشخاصه ويغيب عنه هذا الرجل في موضع ويسمع كلامه منه وحديثه ووصف المدينة حتى يتبين أمر هذه المدينة فعل ، فإن كعباً سيخبر أمير المؤمنين بخبرها وأمر هذا الرجل إن كان دخلها ، لأن مثل هذه المدينة على هذه الصفة لا يستطيع هذا الرجل دخولها ، إلا أن يكون سبق في الكتاب دخوله إياها فيعرف ذلك .

الصفحة 58