كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
سنة . فقال معاوية : كم كان عمر شداد ؟ فقال : سبعمائة سنة ، فقال معاوية : لقد أخبرتنا عجباً ، فحدثنا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنما سماها الله تعالى إرم ذات العماد التي لمن يخلق مثلها في البلاد ، للعمد التي تحتها من الزبرجد والياقوت وليس في الدنيا مدينة من الزبرجد والياقوت غيرها ، فلذلك قال الله تعالى : " لم يخلق مثلها في البلاد " .
وقال كعبك : إنهم لما أتوه فأخبروه بفراغهم منها قال : انطلقوا واجعلوا عليها حصناً ، واجعلوا حول الحصن ألف قصر ، عند كل قصر ألف علم ، ويكون في كل قصر وزير من وزرائي ، ويكن كل علم عليه ناطور . فرجعوا فعملوا تلك القصور والأعلام والحصن ، ثم أتوه فأخبروه بالفراغ مما أمرهم به . قال : فأمر شداد ألف وزير من خاصته أن يهيئوا أسبابهم ، ويعولوا على النقلة إلى إرم ذات العماد ، وأم رجالاً أن يسكنوا تلك الأعلام ويقيموا فيها ليلهم ونهارهم ، وأمر لهم بالعطاء والأرزاق ، وأمر من أراد من نسائه وخدمه بالجهاز إلى إرم ذات العماد ؛ فأقاموا في جهازهم عشر سنين ؛ ثم سار الملك شداد بن عاد بمن أراد ، وتخلف من قومه في عدن من أمره بالمقام بها .
قال : فلما استقل وسار إليها ليسكن فيها ، وبلغ منها موضعاً بقي بينه وبين دخوله إليها مسيرة يوم وليلة ، بعث الله تعالى عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء ، فأهلكتهم جميعاً ، ولم يبق منهم أحد ، ولم يدخل شداد ولا من كان معه إرم ذات العماد ، ولم يقدر أحد منهم على الدخول فيها حتى الساعة .
فهذه صفة إرم ذات العماد ، وأنه سيدخلها رجل من المسلمين في زمانك ويرى ما فيها ، فيحدث بما عاين ، ولا يسمع منه ولا يصدق . فقال معاوية : يا أبا إسحاق ، فهل تصفه لنا ؟ قال : نعم ، هو رجل أحمر أشقر قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل له ندت في تلك الصحاري فيقع على إرم ذات العماد ، فيدخلها ويحمل مما فيها . والرجل جالس عند معاوية . فالتفت كعب فرأى الرجل ، فقال : هو هذا يا أمير المؤمنين قد دخلها ، فاسأله عما حدثتك به . فقال معاوية : يا أبا إسحاق ، إن هذا من خدمي ، ولم يفارقني . قال كعب : قد دخلها وإلا