كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
الدرجة وتسيبت حتى تنال رجلاي منكبيه ؛ فلم نزل كذلك وذلك دأبنا عامة يومنا ، حتى نزلنا ذلك الدرج وكانت مقدار مائة درجة ؛ فأفضينا إلى أزج عظيم محفور في الجبل ، في طول مائة ذراع ، في عرض أربعين ذراعاً ، وسمكه في السماء نحو مائة ذراع ، وفي صدره سرير من ذهب مفصص بأصناف الجواهر ، وفوقه رجل عظيم الجسم ، قد أخذ طول هذا الأزج وعرضه وهو مضطجع على ظهره كهيئة النائم ، وعليه سبعون حلة بمقدار طوله وعرضه منسوجة تلك الحال بقضبان الذهب والفضة ، وإذا في ذلك الأزج نقب عرضه ذراعان ، وارتفاعه ثلاث أذرع ، خار إلى فضاء لم ندر ما هو ، وإذا على رأس السرير لوح من ذهب ، فيه كتاب بالمسند - وهو كتاب عاد كانت تكتبه في زمانها - محفور ذلك الكتاب في اللوح حفراً ؛ فقلعناه ودنونا من الرجل فمسسنا تلك الحلل فصارت رميماً ، وبقيت قضبان الذهب قائمة ، فجمعناها وكانت مقدار مائة رطل ، فحملناها في أزرنا ، وأردنا قلع شيء من تلك الجواهر المفصص بها السرير ، فلم نقدر عليه لوثاقته ، فتركناه ؛ وهجم علينا الليل ، ونحن في ذلك الأزج وعرفنا ذلك بذهاب ذلك الضوء الذي كان يدخل من ذلك النقب ، فبتنا ليلتنا في ذلك الأزج ، وطفئت الشمعة التي كانت معنا ، فلما أصبحنا قلت لصاحبي : ما ترى ؟ قال : أما الرجوع من حيث جئنا فلا سبيل إليه ، لارتفاع الدرج ، وأنا لا نستطيع صعودها ، لا سيما والشمعة قد طفئت ، ولكن هلم لنلزم هذا الضوء الذي نراه في هذا النقب ، فإني أرجو أن يخرج بنا إلى الفضاء إن شاء الله تعالى . فقلت له : لعمري إن هذا لهو الرأي .
قال : فانطلقنا بما عنا من تلك القضبان من الذهب ، وحملناها مع ذلك اللوح الذهب الذي كان عند رأس السرير ، ومشينا في ذلك النقب نتبع ذلك الضوء ، فلم نزل نمشي فيه في طريق ضيق مقدار مائة ذراع حتى خرجنا منه إلى كهف في ذلك الجبل كهيئة الحائط ، وقد حف بذلك الكهف البحر ، فجلسنا على باب ذلك النقب ثلاثة أيام نتمون بقية ما كان معنا من الماء والطعام ، فلما كان في اليوم الرابع نظرنا إلى مركب قد أقبل في البحر فلوحنا إلى من فيه ، فأرسلوا إلينا القارب ، فنزلنا من باب ذلك النقب نزولاً شاقاً حتى وثبنا إلى القارب بما