كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
نطقت الأشجار بإذن الله وقالت : يا آل ثمود ، ألا تعبدون سواه . ونطقت المواشي كذلك فعمدوا إلى الأشجار فقطعوها ، وعقروا المواشي ، فنطقت السباع ونادت من رءوس الجبال : ويلكم يا آل ثمود ، لا تقطعوا هذه الأشجار وتذبحوا هذه المواشي وقد نطقت بالحق . فخرجوا إلى السباع بالأسلحة وهي تهرب من بين أيديهم وتستغيث بالله وتقول : اللهم طهر أرضك بنبيك صالح ، وارفع به الفساد . والقوم يسمعون ذلك ويقولون : قد كفر هؤلاء بآلهتنا .
قال : وكان لكانوه في ديار قومه امرأة يقال لها : رعوم وهي كثيرة البكاء عليه منذ فقدته ؛ فبينما هي ذات ليلة وإذا بغراب نعق ، فقامت لتنظر إليه ، فرأته على مثال الغراب ، ورأسه أبيض ، وظهره أخضر ، وبطنه أسود وهو أحمر الرجلين والمنقار ، وأخضر الجناحين ؛ فقالت : أيها الطائر ، ما أحسنك فقال : أنا الغراب الذي بعثت إلى قابيل فأريته كيف يواري سوءة أخيه ، وأنا من طيور الجنة ، وإني أراك باكية حزينة . فقالت : إني فقدت زوجي منذ مائة عام . فقال : اتبعيني فإني أرشدك إليه . فتبعته ، وطويت لها الطريق حتى وقفها على باب الغار ، ونادى الطائر : قم يا كانوه ، قم بقدرة الله . فقام ودخلت إليه زوجته ، فواقعها ، فحملت بإذن الله تعالى بصالح . وقبض الله كانوه لوقته ؛ وعادت رعوم والغراب يدلها على منزلها ؛ فلما انقضت مدة حملها ، وضعت في ليلة الجمعة من شهر المحرم ، فوقعت هزة شديدة في بلاد تمود لمولده ، وخرت الوحوش والسباع ساجدة لله تعالى ، وأصبحت الأصنام وقد تنكست ؛ فأقبل داود وأخبر الملك بخبرها ؛ فجاء بأشراف ورفعوها على مراتبها وأسرتها ، وتقدم الملك إلى الصنم الأكبر وقال : ما دهاك ؟ فناداهم إبليس منه : قد ولد فيكم غلام يدعوكم إلى دين هود ليس عليكم منه بأس .
فخرج الملك ومن معه مستبشرين . ونشأ صالح ، حتى إذا بلغ سبع سنين أقبل على قومه وهو يقول : يا آل ثمود ، تنكرون حسبي ونسبي ، أنا فلان بن فلان . فيقولون : إنك من أحسبنا وأنسبنا ؟ حتى إذا بلغ عشر سنين إذ أقبل عليهم ملك من أولاد سام ، كان يغزوهم في كل سبع سنين مرة فيسلب أموالهم ؛ فوثب صالح إلى سيف أبيه وسلاحه وخرج يعدو ، وإذا هو