كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
من أجر إن أجري إلا على ربي العالمين ، أتتركون فيما هاهنا آمنين ، في جنات وعيون ، وزروع ونخل طلعها هضيم " ، أي لين " وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين " أي حاذقين " فاتقوا الله وأطيعون ، ولا تطيعوا أمر المسرفين ، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، قالوا إنما أنت من المسحرين ، ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين " .
قال : فأقبل الملك عليهم وقال : قد عرفتم صالحاً في حسبه ونسبه ، وأنا رجل منكم ، فما تقولون ؟ وما عندكم من الرأي في أمره ؟ قالوا : أيها الملك " ءألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر " قال الله تعالى : " سيعلمون غداً من الكذاب الأشر " .
قال : فآمن به منهم جماعة ، وخرج صالح من عند الملك ، فأمره الله تعالى أن يبني مسجداً لنفسه ولمن معه من المؤمنين ، فأعانته الملائكة على بنائه ؛ فلما كمل جاءه جبريل بشجرة فغرسها على باب المسجد ، واتبع الله له عيناً من الماء العذب .
وكان صالح يخرج في كل يوم إلى قبيلة من قومه يدعوهم إلى عبادة الله تعالى ويعظهم بأيام عاد وما حل بهم فيقول : " الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه " فكان المستضعفون يقولون : " إنا بما أرسل به مؤمنون " والمتكبرون يقولون : " إنا بالذي آمنتم به كافرون " .
ولم يزل صالح يدعوهم حتى استكمل سبعين عاماً ؛ ثم أعقم الله نساءهم وجفت أشجارهم فلم تثمر ، ولم تضع لهم بقرة ولا شاة . ثم لم يزل يدعوهم حتى استكمل مائة سنة وهم لا يزدادون إلا كفراً ، فلما أيس منهم خرج يريد أن يدعو عليهم بالهلاك ، وقال لقومه : لا تبرحوا حتى أعود إليكم . وقصد جبلاً فطاف به حتى أمسى ، فنظر إلى عين ماء ، فتقدم وتوضأ وقام ليصلي ويدعو على قومه ، فرأى في الجبل كهفاً ، فدخله فرأى فيه سريراً من الذهب ، عليه فرش الحرير ، وفي وسط الكهف قنديل ؛ فعجب من ذلك ، وصعد على السري ، فضرب الله على أذنه فنام أربعين سنة ؛ وأخذ قومه في العبادة ؛ فكان يموت منهم الواحد بعد الواحد ، فيدفن إلى جانب المسجد ، ويكتب على قبره : " هذا فلان بن فلان " .