كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
قال : ثم بعث الله عز وجل صالحاً من نومته ، فخرج من الكهف وتوضأ وصلى ركعتين ، وأراد أن يدعوا على قومه ؛ فقيل له : لا تعجل عليهم ، فإن عجلت غيبتك عن قومك أربعين سنة .
فعاد إلى قومه ، وإذا برسوم وآثار لا يعرفها ، وأشرف على مسجده وهو خراب ليس فيه إلا الملائكة يحفظونه من فساق أهل ثمود ؛ فقال : إلهي ما فعل أهل هذا المسجد ؟ فنادته الملائكة : مات بعضهم ورجع الباقون إلى دينهم الأول لما أيسوا منك .
ثم أمره الله تعالى أن يأتي قومه ويدعوهم إلى عبادة الله والكف عن عبادة الأصنام ، فأقبل وهم مجتمعون في يوم عيدهم ومعهم ملكهم ، فناداهم : قولوا " لا إله إلا الله وإني صالح رسول الله " يا قوم إني أرسلت إليكم مرة وهذه أخرى .
فتحيروا وتساقطت أصنامهم ، ونطقت الدواب : جاء الحق من ربنا . قال له الملك : من أنت ؟ قال : أنا صالح . قال : أليس قد بقي صالح فينا طويلاً وغاب عنا منذ مدة طويلة ؟ ما أنت إلا ساحر جئتنا بعده ، وهم بقتله .
وكان للملك ابن عم يقال له : هذيل ، فقال : يا صالح ، لا نحتاج إلى نصحك فانصرف عنا ، فقال : يا هذا أما إنك ميت في يومك هذا أنت وأهلك وولدك في وقت كذا و كذا ، وفي غد يموت أبوك وأمك ، فبادر إلى الإيمان ، فإن آمنت أحياك الله وجعلك حجة على قبائلي ثمود .
فانصرف الرجل وهم ينظرون إلى الوقت الذي ذكره صالح ؛ فلما جاء الوقت مات الرجل وأهله وولده ، وانتشر الخبر في قبائل ثمود ، ومات أبوه وأمه من الغد ؛ فعجب الناس وجزعوا ، وخاف الملك .
وأقبل صالح فقال : يا آل ثمود ، كيف كان هذا الميت عندكم ؟ قالوا : خير رجل حتى مات . قال : فإن أحياه الله بدعائي ، أتؤمنون بي وبإلهي وتبرأون من أصنامكم ؟ قالوا : نعم . فجاء صالح إلى الميت فدعا ربه ، ثم ناداه باسمه فقال : لبيك يا نبي الله ، وقام وهو يقول : " لا إله إلا الله صالح عبد الله ورسوله " .
فلما علين قومه ذلك ازدادوا كفراً ، ودخلوا على صنمهم وشكوا ما يلقونه من صالح ، فنطق إبليس من جوفه وقال : انصرفوا إلى ما أنتم عليه ؛ وإذا رأيتم صالحاً فقولوا : ائتنا ببرهان كما أتى به هود ونوح .