كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
فخرجوا مسرورين حتى أتوا صالحاً ، فقال لهم : قد رأيتم وسمعتم كلام الوحش والطير وإحياء الموتى وغير ذلك من الآيات ما فيه كفاية ، فأي آية تريدون ؟ قالوا : نخرج نحن وأنت إلى هذا الوادي ، وندعو وتدعو ، وننظر أي الدعوتين تستجاب ؛ وتواعدوا إلى يوم عيدهم .
فلما كان في ذلك اليوم اجتمعوا وخرجوا بأصنامهم وزينتهم ؛ وأقبل صالح يخترق صفوفهم ؛ حتى وقف أمام ملكهم ، ودعاهم إلى الإيمان بالله . قالوا : أرنا آية . قال : ما تريدون ؟ قالوا : اخرج لنا ناقة من هذه الصخرة ونؤمن بك ونعلم أنك صادق . قال : إن ذلك هين على ربي ، ولكن صفوها لي .
فأقبل القوم يصف كل منهم صفة حتى أكثروا . فقال الملك : إن هؤلاء قد أكثروا وأنا أصفها بما في قلبي : تكون ناقة ذات فرث ودم ولحم وعظم وعصب وعروق وجلد وشعر يخالطه وبر ، وتكون شكلاء شقراء هيفاء ، ولها ضرع كأكبر ما يكون من القلال ، يدر من غير أن يستدر ، يشخب لبناً غزيراً صافياً ، ويكون لها فصيل يتبعها على مثالها ، فإذا رغت أجابها بمثل رغائها ، ويكون حنينها الإخلاص لربك بالتوحيد ، والإقرار لك بالنبوة ، فإن أخرجتها على هذه الصفة آمنا . فأوحى الله إليه : أن أعطهم ما سألوا . فقال لقومه : إن الله قد شفعني في حاجتكم ، فإن أخرجتها تؤمنون ؟ قالوا : نعم ، على شرط أن يكون لبنها ألذ من الخمر وأحلى من العسل . قال : إن أخرجها ربي تؤمنون ؟ قالوا : نعم على شرط أن يكون لبنها في الصيف بارداً ، وفي الشتاء حاراً ، لا يشربه مريض إلا برئ ، ولا فقير إلا استغنى . قال : إن أخرجها ربي أتؤمنون ؟ قالوا : نعم ، على شرط ألا ترعى من مراعيا ، بل في رءوس الجبال وبطون الأودية ، وتذر ما على الأرض لمواشينا . قال : إن أخرجها ربي أتؤمنون ؟ قالوا : نعم ، على شرط أن يكون الماء لنا يوماً ولها يوماً ، ولا يفوتنا اللبن ، وتدخل علينا بالعشيات في بيوتنا وتسمى كل واحد منا باسمه ، وتنادي : " ألا من أراد اللبن " ؟ فيخرج ويضع ما يريد تحت ضرعها ، فيمثل لبناً من غير احتلاب ، قال أتؤمنون حقيقة ؟ قالوا : نعم . قال صالح : قد شرطتم شرائط كثيرة ،