كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
وأقبلت صدوف إلى عنيزة فأخبرتها بذلكن ففرحت به . قالت : إلا أنه منفرد ، ولكن قومي إلى عزيز ثمود قدار ، فإنه شاب لم يتزوج ، فاعرضي عليه بناتك لعله يفعل ، ففعلت عنيزة ذلك ، وزينت بناتها ، وأقبلت بهن إلى قدار ، وكان أقبح رجل في ثمود ، وكان في عينيه زرقة ، وكأنهما عدستان ، وأنفه أفطس ولحيته بطوله ، غير أنه كان يمر بالشجرة العظيمة فينطحها برأسه فيكسرها ؛ فلما رأته عنيزة رجعت ببناتها إلى صدوف ، وقالت : من تطيب نفسه أن يزوج مثل هؤلاء من هذا ؟ فلم تزل بها حتى رجعت بهن إليه ، وعرضهن عليه ؛ فاختار منهن الرباب ، وأجاب إلى عقر الناقة ، واجتمع إليه مصدع وأخوه ورعين وداود خادم الأصنام وريان ولبيد والمصرد وهزيل ومفرج فهؤلاء التسعة الذين ذكرهم الله في كتابه ، قال الله تعالى : " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " .
فطافوا بأجمعهم على قبائل ثمود وأعلموهم بما أجمعوا عليه من عقر الناقة ، فرضي بذلك كبيرهم وصغيرهم ، واجتمع هؤلاء التسعة بسيوفهم وقسيهم ، وذلك في يوم الأربعاء ، وقعدوا ينتظرون الناقة ، فأقبلت حتى قربت من البئر ؛ فنادت عنيزة : يا قدار ، اليوم يومك ، فأنت السيد في قومك . قال الله : " فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر " .
قال : فشد قدار قوسه ورماها بسهم فأصاب لبتها ، وهو أول من رماها ، ثم مصدع ، وأقبلوا عليها بالسيوف فقطعوها ، وأنذبت فصيلها ، فهرب إلى رأس جبل ، ودعا باللعنة على ثمود ، فاتبعه القوم وعقروه ، وتقاسموا لحمه .
وحكى الثعلبي في كتابه المترجم بيواقيت البيان في قصص القرآن : أن الفصيل لما عقت الناقة أتى جبلاً منيعاً يقال له : صور . وقيل : اسمه فاره ؛ وأن صالحاً لما بلغه عقر الناقة أقبل إلى قومه ، فخرجوا يتلقونه ويعتذرون إليه ويقولون : إنما عقرها فلان وفلان ، ولا ذنب لنا .