كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
فقال لهم صالح : انظروا ، هل تدركون فصيلها ؟ فعسى أن تدركوه فيرفع عنكم العذاب ، فخرجوا يطلبونه ، فلما رأوه على الجبل ذهبوا ليأخذوه ، فأوحى الله تعالى إلى الجبل أن يتطاول ؛ فتطاول في السماء حتى ما يناله الطير ؛ وجاء صالح ، فلما رآه الفصيل بكى حتى سالت دموعه ؛ ثم دعا ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب .
ترجع إلى رواية الكسائي ، قال : وصاح قدار بأصحابه : هلموا . فقدموا فأمرهم أن يقطعوا لحم الناقة ، فقطعوا وطبخوا وقعدوا للأكل والشرب ، وصالح لا يعلم بذلك ، فنادته الوحوش : يا صالح ، هتكت ثمود حرمة ربها ، وتعدوا أمره . فأقبل بالمؤمنين من قومه ، فلما رآها بكى وقال : إلهي أسألك أن تنزل على ثمود عذاباً من عندك .
فأوحى الله إليه : أن أنذر قومك بالعذاب . فبشرهم بعذاب الله . فقالوا له : افعل ما بدا لك ، فقد عقرناها ، وقد أنذرت بالعذاب منذ بعيد وما نرى له أثراً . فقال لهم : " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " . وبات القوم ليلتهم ، فلما أصبحوا تفجرت آثار وطء الناقة بعيون الدم ، وظهرت الصفرة في ألوانهم ؛ فقالوا : يا صالح ، ما هذا التغير في ألواننا وبلادنا ؟ قال : غضب ربكم عليكم . فأجمعوا على قتله ، وقالوا : إذا قتلناه امتنع عنا سحره ولا تمكنه الإساءة إلينا . فتقدم التسعة لقتله عند ما أقبل الليل ، فوقف لهم جبريل ورمى كل واحد منهم بحجر فقتله . فلما كان من الغد نظرت ثمود إليهم وقد قتلوا ، فقالوا : هذا من فعل صالح فعزموا على الهجوم عليه وقتله ، فأمره الله تعالى بالخروج من المسجد ، فجاءوا ليقتلوه فما رأوه ، وأصبحوا في اليوم الثاني وقد احمرت وجوههم ، وفي اليوم الثالث اسودت ، فأيقنوا بعذاب الله ، وحفروا لأنفسهم حفائر ، ولأهليهم وأولادهم ولبسوا الأنطاع ، وجلسوا في الحفائر ينتظرون العذاب ، وصالح يخوفهم وينذرهم عذاب الله وهم لا يبالون به .