كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
قال الكسائي : ولا يجسر أحد أن يدخل إلى القصر مما نزل بسكانه .
قال : ويقال : إن فيه حية عظيمة ، وإنه يسمع من داخله أنين كأنين المريض . وأما البئر المعطلة فهي بأرض عدن ، وكان أهلها على دين صالح ، وكان المطر ينقطع عنهم في بعض الأوقات حتى يبلغ بهم الجهد ، فيحملون الماء من بلد بعيد ، فأعطاهم الله تعالى هذه البئر على ألا يشركوا به شيئاً ، ويعبدوه حق عبادته وكانوا معجبين بها ، قد بنوها بألوان الصخور ، وبنوا حولها حياضاً بعدد قبائلهم ؛ وكان لهم ملك يسوسهم ، فلما مات حزنوا عليه حزناً عظيماً ؛ فأقبل عليهم إبليس وقال : ما بالكم الحزن ؟ قالوا : كيف لا نكون كذلك وقد فقدنا ملكنا مع إحسانه إلينا . قال : إنه لم يمت ، ولكنه احتجب عنكم لغضبه عليكم ، ولكونكم لم تعبدوه .
وانطلق إبليس فاتخذ لهم صنماً على صورة الملك ، ونصبه على سريره ، وقال : هلموا إلى الملك فاسمعوا كلامه .
فأقبلوا حتى وقفوا من وراء الستر ، ووقف إبليس في جوف الصنم شيطاناً يكلمهم بلغة لا ينكرون أنها لغة الملك ، ثم قال إبليس : استمعوا . فكلمهم الشيطان من الصنم وقال : يا آل ثمود ، مالي أراكم تبكون ؟ قالوا : لفقدك . قال : قد كذبتم ، لو كنتم تحبوني كما تقولون كنتم عبدتموني ، وقد كنت فيكم أربعمائة سنة ما فيكم من سجد لي سجدة واحدة ، والآن فقد ألبسني ربي ثوب الألوهية ، فصيرني فيكم لا آكل ولا أشرب ولا أنام ، وأخبركم بالغيوب ، فاعبدوني وسموني رباً ، فإني أقربكم إلى ربي زلفى .
قالوا : يأيها الملك ، فلو رأينا وجهك . فرفع إبليس الحجاب حتى رأوه فلم ينكروا من صفاته شيئاً ، فخروا له سجداً ، واتخذوه رباً ، وكان فيهم رجل من خيار قوم صالح اسمه حنظلة بن صفوان ، ففارقهم ولحق بالحرم ، وعبد الله حيناً فرأى في منامه قائلاً يقول له : قد أمرك ربك أن تصير إلى قومك وتحذرهم عذابه إن لم يرجعوا عن عبادة الأصنام ، وتذكرهم العهود في البئر ، وإن لم يؤمنوا غار ماء البئر حتى يموتوا عطشاً .