كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
ثم بعث الله تعالى ميكائيل حين نابذوه - وكان ذلك في أول وقوع الحب في الزرع ، وكانوا إذ ذاك من أحوج ما يكون إلى الماء - فبحر نهرهم في البحر فانصب ما في أسفله ، وأما عيونه من فوق فسدها ، ثم بعث الله تعالى خمسمائة ألف ملك من الملائكة أعواناً له ، ففرغوا ما بقي في نهرهم .
ثم أمر الله تعالى جبريل فنزل فلم يدع في أرضهم عيناً ولا نهراً إلا أيبسه بإذن الله تعالى .
وأمر ملك الموت فانطلق إلى المواشي فأماتها في ربضة واحدة .
وأمر الرياح الأربع : الجنوب والشمال والدبور والصبا فضمت ما كان لهم من متاع ، وألقى الله تعالى عليهم السبات .
ثم خفقت الرياح الأربع بذلك المتاع أجمع فشتته في رءوس الجبال وبطون الأودية .
وأم الله الأرض فابتلعت ما كان لهم من حلي وتبر وآنية ؛ فأصبحوا لا ماشية عندهم ولا بقر ولا مال يرجعون إليه ولا ماء يشربون ولا طعام يأكلون ، فآمن بالله تعلى عند ذلك قليل منهم ، وهداهم الله تعالى إلى غار في الجبل له طريق إلى خلفه ، فنجوا ، وكانوا أحدا وعشرين رجلاً وأربع نسوة وصبيين ، وكان عدة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف ، فماتوا عطشاً وجوعاً ، ولم تبق منهم باقية .
ثم عاد القوم إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها ، فدعا القوم عند ذلك مخلصين أن يحييهم الله تعالى بماء وزرع وماشية ، وأن يجعل ذلك قليلاً لئلا يطغوا . فأجابهم الله تعالى إلى ذلك ، وأطلق لهم نهرهم ، وزادهم على ما سألوه .
فأقام أولئك القوم على طاعة الله تعالى باطناً وظاهراً حتى مضوا وانقرضوا ؛ فحدث من بعدهم من نسلهم قوم أطاعوا الله تعالى في الظاهر ، ونافقوا في الباطن ؛ وأملى الله تعالى لهم ، ثم بعث الله عليهم عدوهم ممن قاربهم وخالفهم ، فأسرع فيهم