كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 85 """"""
فأصبح القوم وقد يبس شجرهم كله ، فهالهم ذلك وتضعضعوا ، فصاروا فرقتين : فرقة قالت : سحر هذا الرجل الذي زعم أنه رسول رب السماء ، ألهاكم ليصرف وجوهكم عنها إلى إلهه ، وفرقة قالت : بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ، ويدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها ، فتنتصروا منه .
فأجمعوا رأيهم على قتله ، فاتخذوا مثال بئر ، واتخذوا أنابيب طوالاً من رصاص واسعة الأفواه ، ثم أرسلوها إلى قرار العين واحدة فوق الأخرى مثل البرانج ، ونزحوا ماء العين ، ثم حفروا في قرارها بئراً ضيقة المدخل عميقة ، وأرسلوا فيها نبيهم ، وألقوا عليه فيها صخرة عظيمة ؛ ثم أخرجوا الأنابيب من الماء وقالوا : الآن نرجو رضا آلهتنا عنا إذا رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصد عن عبادتها .
فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، وهو يقول : سيدي ، ترى ضيق مكاني وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي ، وعجل قبض روحي ولا تؤخر إجابة دعوتي . حتى مات عليه السلام .
فقال الله تعالى لجبريل : انظر عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي ، وأمنوا مكري ، وعبدوا غيري ، وقتلوا رسولي ، وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عذابي وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالاً للعالمين . فبينما هم في عيدهم إذ غشيتهم ريح عاصف حمراء ، فتحيروا وذعروا منها وانضم بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الأرض من تحتهم حجر كبريت يتوقد ؛ وأظلتهم سحابة سوداء ، فألقت عليهم كالقبة حجراً يلتهب ناراً ، فذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص في النار ؛ نعوذ بالله من غضبه ودرك نقمته .

الصفحة 85