كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
من أرض العراق ، وولد له بها ولد سماه كنعان ، وكان ولد آخر يقال له : الهاص ؛ فلما مات كوش استقل الهاص بالملك دون كنعان واستقل كنعان بالصيد ، وولع به حتى ألهاه عن طلب الملك ، وكان مع ذلك شديد البطش والقوة ، فبينما هو يتصيد إذ رأى امرأة ترعى بقرات ، فأعجبته فراودها عن نفسها ، فامتنعت واعتذرت بزوجها ؛ فقال : ويلك ، هل على وجه الأرض من يطاولني وأما من ولد كوش ، ونحن ملوك الأرض ؟ فضحكت المرأة كالمستهزئة ، وقالت : لا تذكر الملوك وأنت رجل صياد .
ثم أقبل زوجها فقتله كنعان وأخذ المرأة ووطئها ، فحملت بنمروذ ، ونقلها كنعان إلى قصره ، فكانت من أحظى نسائه ، ثم قتل أخاه بعد ذلك ، واستقل بالملك .
ثم رأى في منامه كأنه صارع إنساناً فصرعه وقال : أنا مشئوم أهل الأرض ومنزلي الظلمة ، وقد أجلتك حتى أخرج من ظلمتي هذه إلى ضوء الدنيا .
فانتبه مرتاعاً ، وأحضر أصحاب النجوم ، وقص رؤياه عليهم ، فقالوا : سيولد مولود هو الآن في بطن أمه يكون هلاكك على يديه .
وتبين حمل الراعية - وكان اسمها شلخاء - وكانت تسمع في بطنها صوتاً عجيباُ ، فسمعه كنعان فقال : ويحك ، هذا ليس بآدمي ، وإنما هو شيطان ؛ وهم أن يدوس بطنها ليقتل من فيه ؛ فهتف به هاتف : مه يا كنعان ، ليس إلى قتله سبيل .
فلما كملت مدة الحمل وضعته أسود أحول أفطس أزرق العين ؛ وخرجت حية من حجر فدخلت في أنفه ، ففزعت شلخاء ؛ وأخبرت كنعان بخبره ؛ فقال : اقتليه فإنه شؤم . فقالت : لا تطيب نفسي بقتله . قال : فاحمليه واطرحيه في البرية .
فاحتملته إلى البرية ، فمرت براعي بقرات فعرضته عليه ، فأخذه ، وعادت إلى منزلها ؛ فلما وضعه الراعي بين البقر نفرت وتفرقت وعسر عليه جمعها ؛ وأقبلت امرأته فأخبرها بخبر الغلام ؛ فقالت : اقتله إنه شؤم ، فأبى وقال : اطرحيه في النهر ، فطرحته في نهر عظيم ، فألقاه الماء إلى البر ؛ فقيض له الله له نمرة فأرضعته وانصرفت ؛ فرأته امرأة من