كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 88 """"""
قرية هناك فعجبت وأخبرت أهل القرية ، فخرجوا إليه واحتملوه وربوه وسموه نمروذ ، فلما بلغ جعل يقطع الطريق ويغير على النواحي ، واجتمع له جمع كثير ، فبلغ خبره كنعان ، فجعل يبعث إليه بقائد بعد قائد وهو يهزمنهم ؛ وعظم أمره حتى صار في جيش عظيم ؛ فسار إلى كوثاربا وقاتل كنعان ، فهزم جيوشه وظفر به ، وقتله وهو لا يعلم أنه أبوه ، واحتوى على ملكه ؛ ثم أخذ في غزو الملوك حتى ملك الشرق وسائر ممالك الدنيا ؛ ثم رجع إلى كوثاربا فاستدعى وزراءه وقال : أريد أن أبني بنياناً عظيماً لم أسبق إلى مثله . فدلوه على تارح وذكروا أنه عارف بأمر النجارة والبناء ، فأحضره ومكنه من خزانته ، وأمره بإنشاء قصر عظيم ؛ فخرج تارح وشرع في بنائه ، وتأنق فيه ، وأجرى فيه الأنهار ، فلما كمل ورآه نمروذ خلع على تارح وجعله وزيره .
وأخذ نمروذ في التكبر حتى ادعى الألوهية . وكان مولعاً بعلم النجوم ، فأتقنه ؛ فجاء إبليس في صورة شيخ وسجد له وقال : إنك قد أتقنت علم النجوم ؛ وعندي علم ما هو أحسن منه ، وهو السحر والكهانة ، فعلمه ذلك ، ثم حسن له عبادة الأصنام ، فدعا بتارح وأمره أن يتخذ له صنماً على صورته ، ويتخذ لقومه أصناماً أخرى ، فاتخذها تارح من الجوهر والذهب والفضة والقوارير والخشب على أقدار الناس ، وكلها على صورة نمروذ حتى اتخذ سبعين صنماً وأمر نمروذ قومه أن يتخذوها ؛ ففعلوا ذلك وانهمكوا في عبادتها ، وكلمهم الشياطين من أجوافها ؛ فعبدوها حتى لم يعرفوا سواها وطغوا وبغوا ، وأكثروا الفساد في الأرض ، حتى ضجت الأرض والسماء والوحش والطير إلى ربها منهم .
ذكر الآيات التي رآها نمروذ قبل مولد إبراهيم - عليه السلام -
قال : كان أول ذلك أنه صعد في بعض الأيام إلى سريره ، فانتفض من تحته انتفاضاً شديداً ، وسمع هاتفاً يقول : تعس من كفر بإله إبراهيم ، فقال لتارح وهو واقف عنده : سمعت ما سمعت ؟ قال : نعم . قال : فمن هو إبراهيم ؟ قال : لا أعرفه .

الصفحة 88