كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 89 """"""
فأرسل إلى السحرة وسألهم عن إبراهيم ، وأخبرهم بما سمع ؛ فقالوا : لا نعرف إبراهيم ولا إلهه .
ثم توالت عليه الهواتف ، ونطقت الوحش والطير والسباع بمثل ذلك ؛ ثم رأى الرؤى في منامه .
فكان منها أنه رأى القمر قد طلع من ظهر تارح ، وألقى نوره كالعمود الممدود بين السماء والأرض ؛ وسمع قائلاً يقول : " جاء الحق " ونظر إلى الأصنام وهي ترتعد ، فاستيقظ وقص رؤياه على تارح ، فقال : أيها الملك ، إني في الأرض كالقمر لكثرة عبادتي لهذه الأصنام . فقال له نمروذ : صدقت .
وانصرف تارح حتى دخل بيت الأصنام ، فإذا هي قد سقطت عن كراسيها منكبة على أوجهها ، فأمر خدمها بإعادتها ، وعجب من ذلك .
قال : ثم رأى في منامه كأن نوراً ساطعاً بين السماء والأرض ، وقوماً يسلكون فيه ينزلون إلى الأرض ، ويصعدون إلى السماء ، وإذا برجل من أحسن الناس وجهاً في ذلك النور ، وأولئك يقولون : نصرك إله السماء ، فبك تحيا الأرض بعد موتها . فانتبه ودعا بالسحرة والكهنة والمنجمين ، وذكر لهم رؤياه ، وأقسم إن كتموه تأويلها عذبهم وجعلهم طعماً للسباع ، فطلبوا أمانة ، فأمنهم ، فقالوا : رؤياك تدل على مولود من أقرب الناس إليك ، يرث ملكك ، ويرتفع ذكره إلى السماء والشرق والغرب ويهلكك ، وأنه لا يأتيك ومعه سلاح ولا جند ، فتبسم نمرود وقال : إن كان كذلك فأمره هين ، ثم قال لهم : فممن يكون ؟ قالوا : من ظهر أقرب الناس إليك ، ولا نعلم أكثر من هذا .
ثم قال : ليس أحد أقرب إلى من ابني كوش ووزيري تارح ؛ ثم أمر بابنه كوش فضرب عنقه ؛ وأمر بقتل الأطفال حتى قتل مائة ألف طفل ؛ ثم دعا بالمنجمين فقال : انظروا هل استرحت ممن كنت أخافه ؟ قالوا : ما حملت به أمه بعد .
وأخذ في ذبح الأطفال حتى ضجت الخلائق إلى الله تعالى .
ذكر حمل أم إبراهيم - عليه السلام - وطلوع نجمه
قال : وعبر تارح يوماً إلى الأصنام فاضطربت اضطراباً شديداً ، فسجد لها فأنطقها الله ، فقالت : يا تارح ، " جاء الحق وزهق الباطل " ووافى

الصفحة 89