كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)

"""""" صفحة رقم 90 """"""
نمروذ ما كان يحذره ، فخرج خائفاً وجلاً حتى دخل على امرأته وذكر لها ذلك ؛ فقالت : وأنا أخبرك بعجب ، كنت قعدت عن الحيض منذ كذا وكذا ، وقد حضت في يومي هذا .
فقال : اكتمي أمرك لئلا يبلغ الملك . فلما طهرت هتف به هاتف : يا تارح صر إلى زوجتك ليخرج النور الذي على وجهك ، فلما سمع ذلك مر هارباً على وجهه فإذا هو بملك يقول : أين تريد ؟ ارجع فرد الأمانة التي في ظهرك . فانصرف إلى منزله ولم يجسر أن يقرب امرأته ؛ فأصبح وإذا بنور ساطع على وجهه ؛ وكان هو الذي يقرب إلى الأصنام الطعام والشراب كل ليلة ، وينصرف إلى منزله فتأكله الشياطين ؛ فقرب الطعام إليها ، فأقبلت الشياطين لتأكله ، فرأوا الملائكة هناك فولوا هاربين ، وبقى الطعام على حاله ، فلما أصبح تارح رآه على حاله فظن أن الأصنام ساخطة عليه ، فعكف عليها لترضى عنه ، فأبطأ عن منزله ، فأتته امرأته ؛ فلما خلت به في بيت الأصنام تحركت شهوته ، وهم بمواقعتها ، فقالت : ألا تستحي ، أتفعل هذا بين يدي آلهتك ؟ فواقعها ، فحملت منه إبراهيم - عليه السلام - فنكست الأصنام ، وظهر نجم إبراهيم وله طرفان : أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب ؛ فعجب الناس منه ؛ ورآه نمروذ فتحير ، فلما أصبح سأل المنجمين عنه ؛ فقالوا : هذا نجم جديد طلع يدل على مولود جديد من أولاد الأكابر ، يرتفع شأنه ، ويخشى عليك منه . فهتف به هاتف يقول : يا عدو الله ، هذا المولود قد حملت به أمه والله مهلكك على يديه .
قال : فلما استكملت أمه تسعة أشهر قالت لأبيه : إني أحب أن أدخل بيت الأصنام فأسألها أن تخفف عني أمر الولادة ، فأذن لها في ذلك ، وتربص بها إلى الليل خوفاً أن يعلم الناس بحملها ؛ فلما دخلت بيت الأصنام تنكست عن كراسيها فخرجت فزعة ، فإذا هي بنمروذ في قومه ، وبين أيديهم الشموع والمشاعل ؛ فقال نمروذ : من هذا ؟ قالت : زوجة عبدك تارح ؛ فأراد أن يقول : اقبضوها فقال : خلوها ؛ فأقبلت إلى منزلها مذعورة ، فجاءها الطلق ، فأقبل إليها ملك من عند الله تعالى وقال : لا تخافي وانهضي فضعي ما في بطنك . فتبعته حتى أدخلها الغار ، وهو الذي ولد في إدريس ونوح - عليهما السلام - .

الصفحة 90