كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
ذكر ميلاد إبراهيم - عليه السلام -
قال : ودخلت أمه الغار فوجدت فيه جميع ما تحتاج إليه ، وخفف الله عنها الطلق ، فولدته في ليلة جمعة ، وهي ليلة عاشوراء ؛ فلما سقط إلى الأرض قطع جبريل سرته ، وأذن في أذنه ، وكساه ثوباً أبيض ؛ ثم عاد بها إلى منزلها فرجعت خفيفة كأن لم تلد ، وقال لها الملك : اكتمي أمرك وما قد رأيت . فدخلت منزلها ، وجاء تارح فرآها نشيطة خفيفة ، فقالت : إن الذي كان في بطني لم يكن ولداً ، وإنما كانت ريحاً وقد انشقت عني . ففرح بذلك ، وألقى الله تعالى على نمروذ النسيان في أمر إبراهيم ؛ فلما كان اليوم الخامس خرجت أمه إلى الغار فرأت الوحش والسباع على بابه ، فتوهمت أن يكون هلك ؛ فدخلت فرأته على فراش من السندس ، وهو مدهون مكحول ، فتحيرت وعلمت أن له رباً ، ورجعت إلى منزلها وأخبرت تارح الخبر ، فنهاها عن العود إلى الغار ، فكانت تروح إليه سراً في كل ثلاثة أيام تنظر إليه وتعود ، حتى تم له حولان ، فأتاه جبريل بطعام من الجنة ، فأطعمه وسقاه ؛ فلما استكمل أربع سنين جاءه ملك بكسوة من الجنة ، وسقاه شربة التوحيد وقال : اخرج الآن منصوراً .
ذكر خروج إبراهيم - عليه السلام - من الغار واستدلاله
قال : ولما قال له الملك ذلك خرج عند غروب الشمس ، فجعل ينظر إلى السموات ، فذلك قوله تعالى : " وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكباً قال هذا ربي - يعني على سبيل الاستفهام ، أي أهذا ربي ؟ - فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " وهبط جبريل - عليه السلام - فقال له : انطلق إلى أبيك وأمك ولا تخف فإن الله معك . فخرج إبراهيم وجبريل معه حتى وقفه على الباب وقال : هذا بيت أبيك ، فدونك هو . فاستأذن إبراهيم وقال : أدخل ؟ قال تارح : أدخل . فلما دخل نظر إليه فعجب من حسنه وجماله ، وقامت أمه مسرعة إليه