كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
واعتنقته وقالت : ولدي وعزة نمروذ . فقال لها : لا تحلفي بعزة نمروذ ، فإن العزة لله الذي خلقني في بطنك وأخرجني منك ، وكلأني ورباني وهداني .
فارتعد تارح من كلامه وقال لأمه : أخشى أن تزول عني هذه المنزلة بسببه . ونظر إليه وقال : ما أحسنك فلولا ما وقع في قلبي من محبتك لرفعت خبرك إلى نمروذ . ثم بكى تارح خوفاً عليه أن يقتل ، فقال له : يا أبت لا تخف علي من القتل فإن الله يعصمني من نمروذ . فقال له : ألك رب غير نمروذ ، وله مملكة الأرض شرقها وغربها ، وله ثلاثمائة صنم ؟ فقال إبراهيم : بل ربي الله الذي لا إله إلا هو خالق السموات والأرض وما بينهما لا شريك له .
وبلغ خبر إبراهيم بعض أقارب تارح ، فدخل عليه وقال : ما هذا الغلام الجميل ؟ قال : هو ابني ولد لي على كبر . قال : فما الذي بلغك من قوله عن نمروذ وأصنامنا ؟ قال تارح هو ما بلغكم ، فكلموه حتى يعود إلى ديننا . فحاجه قومه وخوفوه بعذاب نمروذ ، وهو يجادلهم ويحتج عليهم ، ويذكر عظمة ربه حتى عجزوا عنه فذلك قوله تعالى : " وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان " الآيات إلى قوله : " وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه " .
فانصرفوا عنه وخاف تارح أن يسعوا به وبولده إلى نمروذ ، فقال : يا إبراهيم كف عن هذا الكلام حتى أستخلفك على خزانه الأصنام فقد كبرت . فقال : يا أبت ، إن المعبود هو الله ، والأصنام لا تضر ولا تنفع .
فغضب تارح وأقبل على نمروذ ، فسجد له ، وقال : إن المولود الذي كنت تحذره هو ولدي ، ولم يولد في داري ، ولا أعلم به حتى الآن ، وقد جاءني وهو غلام يعقل ويفهم ، ويزعم أن له رباً سواك ، وقد أعلمتك فاصنع ما أنت صانع .
فلما سمع نمروذ ذلك داخله الرعب وقال : صفه . فوصفه . قال نمروذ : هو الذي رأيته في منامي . وقال لأعوانه : ائتوني به . فأتوه به ، فردد النظر إليه وقال : احبسوه إلى غد ؛ فلما أصبح أحضره وقد أمر بتزيين قصره بأعظم زينة ، وهول عليه بجنوده وأصناف السلاح ؛ فالتفت إبراهيم إلى الناس يميناً وشمالاً وقال : " ما تعبدون " ؟ فذلك قوله تعالى : " واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه