كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
ما تعبدون " إلى قوله : " إلا رب العالمين " ثم قال : " الذي خلقني فهو يهدين " إلى قوله : " واجعلني من ورثة جنة النعيم " ثم التفت وقال : " واغفر لأبي إنه كان من الضالين " إلى قوله : " وبرزت الجحيم للغاوين " .
فلما فرغ من كلامه قال له نمروذ ، يا إبراهيم ، تقع في ديني وأنا الذي خلقتك ورزقتك ؟ قال : كذبت ، إن خالقي ورازقي وخالق الخلق ورازقهم ، " هو الله الذي لا إله إلا هو " فبهت الناس ، ووقعت في قلوبهم محبته لحسنه وحسن كلامه ؛ فالتفت نمروذ إلى تارح وقال : إن ولدك صغير لا يدري ما يقول ولا يجوز لمثلي في قدرتي وعظم مملكتي أن أعجل عليه ؛ فخذه إليك ، وأحسن إليه وحذره بأسي حتى يرجع عما هو فيه .
فأخذه تارح وانصرف إلى منزله ، وقال : يا بني ، إن لي عليك حقاً ، وأسألك بحقي عليك أن تلازمني في عملي وبيع هذه الأصنام كما يفعل إخوتك . قال : كيف أبيع ما أبغضه ؟ قال : ما عليك أن تبيعها ؟ واخرج له صنمين صغيراً وكبيراً ، وقال : بع هذا بكذا ، وهذا بكذا . قال : يا أبت أنت تعبد هذه الأصنام على أنها ترزقك وهي التي خلقك ؟ قال : نعم . فقال له ما أخبرنا الله به في قوله : " واذكر في الكتاب إبراهيم صديقاً نبياً إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سوياً يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً " فغضب تارح من قوله وقال : " أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني ملياً " قال إبراهيم : " سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً " .
وقال : وكان إبراهيم يخرج ومعه غلامان ومعهما صنمان ، فيقول : من يشتري ما لا يضر ولا ينفع ولا يدفع الذباب عن نفسه ؛ وكان يغمسهما في الماء ويقول : اشربا . ويشد الحبل في أرجلهما ويجرهما ، والناس يعظمون ذلك ولا يجسرون يكلمونه لمكان أبيه من نمروذ .