كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
ذكر معجزة لإبراهيم - عليه الصلاة والسلام -
قال : وبينما إبراهيم قاعداً إذ جاءته امرأة عجوز ، فقالت : بعني أحد هذين الصنمين ، واختر لي أجودهما . فقال : هذا أكثر حطباً من هذا . قالت : لست أريده للوقود ، وإنما أريد أن أعبده ، فقد كان لي إله سرق في جملة ثياب كثيرة لي ، وأنا أريد أن أشتري هذا الصنم فأعبده حتى يرد علي رحلي . قال لها إبراهيم : إن الإله الذي يسرق لو كان إلهاً لحفظ الثياب وحفظ نفسه ، فكم لك تعبدينه ؟ قالت : كنت أعبده ونمروذ منذ كذا وكذا سنة ، قال : بئس ما صنعت ، هلا عبدت رب السموات والأرض حتى يرد عليك ما سرق منك ، فإن عاد مالك تؤمنين ؟ قالت : نعم .
فدعا إبراهيم ربه فإذا بالمسروق بين يديه قد جاء به جبريل ؛ فقال لها إبراهيم : هذا رحلك . فأخذته العجوز وكسرت الصنم ، وقالت تباً لك ولمن يعبدك دون الله . وآمنت ، وجعلت تطوف في المدينة وتقول : يا أيها الناس اعبدوا الله الذي خلقكم ورزقكم ، وذروا ما كنتم عليه من عبادة الأصنام .
فبلغ خبرها نمروذ ، فأحضرها وأمر بقطع يديها ورجليها وفقء عينيها ؛ فاجتمع إبراهيم والناس لينظروا إليها - وهو إذ ذاك لم يبلغ الحلم - فدعا لها بالصبر وقال : إلهي إنك قد هديتها ، أسألك أن تجعلها آية . فرد الله عينيها ويديها ورجليها وارتفعت في الهواء وهي تنادي : ويلك يا نمروذ ، أنا الذي قد فعلت بي ما فعلت هذا أنا أرقى إلى الجنان .
وكان لنمروذ خازن يقال له : بهرام ، فقام وقال : آمنت أيتها المرأة بالذي خصك بهذه الكرامة ، وأمن في ذلك اليوم خلق كثير من وجوه القوم ؛ فأمر نمروذ فنشروا بالمناشير وألقوا للأسود فلم تأكلهم ؛ وارتجت المدينة بزلزلة عظيمة وترادفت معجزات إبراهيم - عليه السلام -
ذكر مبعث إبراهيم - عليه السلام -
قال : فلما تم لإبراهيم أربعون سنة ، جاءه جبريل بالوحي من الله ، وأرسله إلى نمروذ ، فأقبل إبراهيم ووقف على باب نمروذ ونادى بأعلى صوته : يا قوم ، قولوا :