كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 13)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
فغضب نمروذ وأحرقهم بالنار حتى صاروا رماداً ؛ فرد الله عليهم أرواحهم فقاموا على أرجلهم يقرون بعظمة الله ؛ فعجب الناس ، ولم يدر نمروذ ما يفعل ؛ فأمر بهم فألقوا في الحبس بين حيات وعقارب ، فبقوا في أربعين يوماً ، ولم يطعموا شيئاً ، فجاءت أم إبراهيم إلى نمروذ وسألته في إطلاقه ، فأمر بإخراجه هو ومن آمن به ، وفي ظنه أنهم قد ماتوا ؛ فأخرجهم فإذا هم في أحسن صورة ؛ فعجب وقال : يا إبراهيم ، من أطعمك وسقاك ؟ قال : ربي أطعمني وسقاني ، فآمن به يا نمروذ ، فقد رأيت آياته وعظمته .
فغضب نمروذ ثم أقبل على تارح وقال له : قد كنت أتخوف من ابنك ، لأني كنت أظن له شوكة من الجنود ، والآن فليس عنده إلا السحر ، وقد وهبته لك . فأخذه أبوه وأخرج من دار نمروذ ، وقال له : يا بني ، امش حتى أدخلك عبادة هذه الأصنام لعلك تميل إليها . فقال إبراهيم : سوءة لك أيها الشيخ . ثم قال : " أتعبدون ما تنحتون ؟ " ثم قال : يا قوم قولوا : لا إله إلا الله وإني إبراهيم رسول الله تفلحوا . فكذبوه ، فقال له أبوه : يا بني ما تخشى سطوة الملك . فقال : يا أبت إن الله يعصمني من مكايده .
قال : ثم ابتلاهم الله - عز وجل - بالقحط ، وقلت عندهم الأقوات ؛ وكان بظاهر المدينة كثيب من الرمل ، فتعبد إبراهيم فيه ، ودعا ربه أن يحوله طعاماً فحوله الله ، فكان المؤمنون ينالون منه ما يريدون ، والكفار يسجدون لنمروذ ويأخذون منه القوت .
وكان قد جمع الأقوات في سراديب عند ، فأطعمهم حتى نفذ أكثرها ولم يبق إلا قوت أهله وعشيرته ؛ فشرع الناس يؤمنون ويزيدون كل يوم ؛ فشق ذلك على نمروذ ، وطلب إبراهيم وقال له : اخرج من بلدي فقد أفسدت قومي بسحرك . فقال إبراهيم : لم أخرج وأنا أحق منك ؟ وخرج من عنده فأحضر نمروذ تارح وقال له : إن ابنك قد آذاني في أهل مملكتي ، ولولا منزلتك عندي لبطشت به . فقال : إنني قد هجرته ، ولست راضياً بصنعه ، فافعل به ما بدا لك .
ذكر خبر تكسير إبراهيم الأصنام وإلقائه في النار
قال كعب : وكان لأهل كوثربا عيد يخرجون إليه في كل سنة ، فيعبدون هناك أياماً ؛ وكان بعيداً من البلد ؛ فلما حضر ذلك العيد قال تارح لإبراهيم : اخرج معنا إلى