كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 100 """"""
أوقع به البلية ، فخرج يريد القصر ويقول للناس : أنا سليمان ، والناس يهزءون بقوله ويقولون : لست سليمان أنت صخر الجني . فجعل سليمان يدور على جميع الناس وهم على كلمة واحدة في إنكاره ، وجعل يدور في القرى ويقول : أنا سليمان والناس يشتمونه حتى لزق بطنه بظهره من الجوع ، فقال : إلهي إنك ابتليت كثيراً من الأنبياء ولم تحرمهم رزقك . إلهي إني تائب إليك من خطيئتي . فلم يزل سليمان كذلك أربعين يوماً لم يطعم شيئاً ، ثم وجد قرصة يابسة ملقاة ، فأخذها ولم يقدر على أكلها ليبسها ، فأقبل إلى ساحل البحر وقعد يبل القرصة فاستلبتها الأمواج من يده . فقال : إلهي رزقتني بعد أربعين يوماً قرصة يابسة نزلت حتى أبلها فاستلبتها الأمواج من يدي وأنت المتكفل بأرزاق العباد ، وأنا عبدك المذنب ، فارزقني فأنت الرزاق الكريم . ثم جعل يمشي على الساحل وهو يبكي ، فإذا هو بقوم يصطادون السمك ، فسألهم شيئاً من الطعام فمنعوه وطردوه وقالوا له . انصرف عنا ، فما رأينا أوحش من وجهك . قال : ما عليكم من وجهي إذا أطعمتموني ؟ قالوا : وحق سليمان إن قمنا إليك لنوجعنك ضرباً إن لم ترح عنا . قال : يا قوم ، فأنا والله سليمان . فضربه رجل منهم على رأسه وقال : أتكذب على نبي الله فبكى حتى بكت الملائكة لبكائه ورحمه أولئك القوم وناولوه سمكة وأعطوه سكيناً ، فشق بطنها ليصلحها ويشويها ويأكلها ، فخرج الخاتم من بطنها فغسله وجعله في إصبعه ، وعاد إليه حسنه وجماله ، فوضع السمكة وسار يريد قصره ، فجعل يمر بتلك القرى ، فكل من كان قد أنكره عرفه وسجد له . فبلغ ذلك صخراً الجني فهرب . وعاد سليمان إلى قصره واجتمع له الإنس والجن والشياطين والسباع والهوام كما كانوا أول مرة . فبعث العفاريت في طلب صخر فأتوه به ، فأمر أن ينقروا له صخرتين وصفده بالحديد وجعله بينهما وأطبقهما عليه وختم عليه بخاتمه وطرحه في بحيرة طبرية . فقال : إنه فيها إلى يوم القيامة . ثم أمر الله الرياح أن تحشر له سائر الشياطين فحشرت له ، فصفد مردتهم بالحديد وحبسهم . هذا ما أورده الكسائي في قصة الفتنة ، وهو أولى ما أورده وأشبه ما نقل .

الصفحة 100