كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
وحكى الثعلبي رحمه الله في خبر الفتنة قال قال محمد بن إسحاق قال بعض العلماء عن وهب بن منبه قال : سمع سليمان - ع - أن في جزيرة من جزائر البحر رجلاً يقال له صيدون ملك عظيم الشأن لم يكن لأحد من الناس عليه سبيل لمكانه في البحر . وقال غيره : إن هذه الجزيرة مسيرة شهر في مثله ، وفيها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار ، و في وسطها مجلس على عمد من مرمر ملون ، والمجلس من ذهب مفصل بأنواع الجواهر يشرف على جميع الجزيرة وقيل : إنه كان ساحراً ، فكانت الجن تطيف به وتعمل له العجائب ، فدل سليمان عليها فغزاه . ترجع إلى سياق الثعلبي قال : فخرج سليمان إلى الجزيرة تحمله الريح على ظهر الماء حتى نزل بها بجنوده من الجن والإنس ، فقتل ملكها وسبى ما فيها ، وأصاب فيما أصاب بنت الملك واسمها جرادة لم ير الناس مثلها حسناً وجمالاً ، فاصطفاها سليمان لنفسه ، ودعاها إلى الإسلام فأسلمت على جفاء منها وقلة ثقة ، وأحبها سليمان حباً لم يحبه شيئاً من نسائه ، وكانت منزلتها عنده منزلة عظيمة ، وكان لا يذهب حزنها ولا ترقا دمعتها على أبيها . فشق ذلك على سليمان وقال لها : ويحك ما هذا الحزن الذي لا يذهب ، والدمع الذي لا يرقأ قالت : إني أذكره وأذكر ملكه وما كان فيه وما أصابه فيحزنني ذلك . قال سليمان : فقد بدلك الله ملكاً أعظم من ملكه ، وسلطاناً أعظم من سلطانه ، وهداك إلى الإسلام وهو خير من ذلك كله . قالت : إن ذلك كذلك ، ولكن إذا ذكرته أصابني ما ترى من الحزن . ولو أنك أمرت الشياطين فصوروا لي صورته في داري أراها بكرة وعشية لرجوت أن يذهب ذلك ، وأن يسكن عني بعض ما أجد في نفسي . فأمر سليمان الشياطين أن يمثلوا صورة أبيها في دارها حتى لا تنكر منه شيئاً ، فمثلوه لها حتى نظرت إلى أبيها بعينه إلا أنه لا روح فيه . فعمدت إليه حين صنعوه فأزرته وقمصته وعممته بمثل ثيابه التي كان يلبس . ثم كانت إذا خرج سليمان من دارها تغدو على ذلك التمثال هي وولائدها فيسجدن