كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
له كما كانت تصنع ذلك في ملكه ، وتفعل ذلك بكرة وعشية وسليمان لا يعلم بشيء من ذلك أربعين يوماً . وبلغ ذلك آصف بن برخياً ، وكان صديقاً ، وكان لا يرد من باب سليمان متى أراد دخوله من ليل أو نهار ، فأتاه فقال : يا نبي الله ، كبرت سني ، ودق عظمي ، ونفد عمري ، وقد حان مني الذهاب ، وقد أحببت أن أقوم مقاماً قبل الموت أذكر فيه من مضى من أنبياء الله وأثنى عليهم بعلمي ، وأعلم الناس ما يجهلون من كثير من أمورهم ، فقال : افعل . فجمع له سليمان الناس فقام فيهم خطيباً ، فذكر من مضى من أنبياء الله وأثنى على كل منهم بما فيه ، وذكر ما فضهلم الله به حتى انتهى إلى سليمان ، فقال : ما كان أحلمك في صغرك ، وأورعك وأفضلك في صغرك ، وأحكم أمرك في صغرك ، وأبعدك من كل ما تركه في صغرك ، ثم انصرف . فوجد سليمان في نفسه من ذلك . فلما دخل سليمان داره أرسل إلى آصف بن برخيا فقال : ذكرت من مضى من أنبياء الله ، وأثبت عليهم خيراً في كل زمانهم ، وفي كل حال من أمورهم ؛ فلما ذكرتني جعلت تثني علي بخير في صغري وسكت عما سوى ذلك من أمري في كبري ، فماذا أحادث في آخر أمري ؟ قال : لأن غير الله يعبد في دارك أربعين يوماً في هوى امرأة . قال سليمان : في داري قال : نعم في دارك . فاسترجع سليمان ثم دخل داره فكسر ذلك الصنم ، وخافت تلك المرأة . ثم أمر سليمان بثياب الطهر فأتى بها ، وهي ثياب لا يغزلها إلا الأبكار ولا تمسها امرأة ذات دم . فلبسها ثم خرج إلى فلاة من الأرض وحده ، فأمر برماد ففرش به ، ثم أقبل تائباً إلى الله حتى جلس على ذلك الرماد تذللاً لله تعالى وتضرعاً إليه ، يبكي ويدعو ويستغفر مما كان في داره ، فلم يزل ذلك دأبه حتى أمسى ، ثم رجع إلى داره . وكان له وليدة يقال لها الأمينة ، فكان إذا دخل لحاجته أو أراد إصابة امرأة من نسائه وضع خاتمه عندها حتى يتطهر ، فوضعه يوماً من الأيام عندها ثم دخل لقضاء حاجته ، فأتاها صخر الجني على صورة سليمان لا ينكر منه شيء ، فقال لها : يا أمينة ، خاتمي ؛ فناولته إياه ، فجعله في يده ثم خرج حتى جلس على سرير سليمان وعكفت عليه الجن والإنس والطير . وخرج سليمان فأتى الأمينة وقد تغير عن حليته وهيئته عند كل من يراه . فقال : يا أمينة . قالت : ومن أنت ؟ قال : أنا سليمان بن داود . قالت : كذبت لست سليمان ، وقد جاء سليمان وأخذ خاتمه وهو جالس على سريره في ملكه ، فعرف سليمان أن خطيئته قد أدركته ، فجعل يقف على الدار من دور بني إسرائيل