كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
فيقول : أنا سليمان بن داود ، فيحثون عليه التراب ويسبونه ويقولون : انظروا إلى هذا المجنون يزعم أنه سليمان . فلما رأى سليمان ذلك عمد إلى البحر ، فكان ينقل الحيتان لأصحاب البحر منه إلى السوق فيعطونه كل يوم سمكتين ، فإذا أمسى باع إحدى سمكتيه بأرغفة ويشوي الأخرى فيأكلها ، فمكث كذلك أربعين صباحاً عدة ما كان ذلك الوثن في داره . قال : وأنكر آصف وعظماء بني إسرائيل حكم عدو الله الشيطان في تلك المدة . فقال آصف : يا معشر بني إسرائيل ، هل رأيتم من اختلاف حكم سليمان بن داود ما رأيت ؟ قالوا نعم . قال : أمهلوني حتى أدخل على نسائه وأسألهن هل أنكرن منه في خاصة أمره ما أنكرناه في عامة أمر الناس . فدخل على نسائه فقال : ويحكن هل أنكرتن من أمر نبي الله سليمان ما أنكرناه ؟ فقلن : أشد وأعظم ، ما يدع امرأة منا في دمها ، ولا يغتسل من جنابة . فقال آصف : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إن هذا لهو البلاء المبين . ثم خرج إلى بني إسرائيل فقال : ما في الخاصة أعظم مما في العامة . فلما مضت أربعون صباحاً طار الشيطان عن مجلسه ثم مر بالبحر فقذف الخاتم فيه ، فابتلعته سمكة وأخذها بعض الصيادين ، وقد عمل له سليمان صدر يومه حتى إذا كان آخر النهار أعطاه سمكتيه ، فأعطى السمكة التي ابتلعت الخاتم ، وحمل سليمان سمكتيه فباع التي ليس فيها الخاتم بالأرغفة ، ثم عمد إلى السمكة الأخرى فبقرها ليشويها ، فاستقبله الخاتم من جوفها فأخذه ، فجعله في يده ووقع ساجداً لله تعالى ، وعكفت عليه الطير والوحش والجن . وأقبل إليه الناس ورجع إلى ملكه وأظهر التوبة من ذنبه ، وأمر الشياطين بإحضار صخر فأدخله في صخرة عظيمة ، ثم شد عليه أخرى ، ثم أوثقهما بالحديد والرصاص ، ثم أمر به فقذف في البحر ، هذا حديث وهب . وقال السدي في سبب الفتنة : كان لسليمان مائة امرأة وكانت منهن امرأة يقال لها جرادة وهي آثر نسائه وآمنهنّ عنده ، وكان إذا أجنب أو أتى حاجته نزع خاتمه ولم يأتمن عليه غيرها . فجاءها يوماً من الأيام فقالت له : إن أخي بينه وبين فلان خصومة ، وإني أحب أن تقضي له إذا جاءك . قال نعم ، ولم يفعل ؛ فابتلى بقوله وأعطاها خاتمه ودخل المذهب ، فخرج الشيطان في صورته فقال لها : هاتي الخاتم ، فأعطته إياه ، فجاء حتى جلس على مجلس سليمان ، وخرج