كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 108 """"""
أطرافه فإذا هو بملك ، فقال : يا بن داود إن هذا التنين محيط بالعالم الذي هو مسيرة خمسمائة عام . ثم ارتفع إلى مستقر الغمام ونظر إلى مجمع القطر ، ونزل من هناك إلى مسكن الليل والنهار فإذا هو بملك يقول : اللهم أعط كل منفق خلقاً وكل ممسك تلفاً . ثم أمر الريح أن تحط بساطه إلى الأرض المقدسة ، وكانت مدة غيبته مائة وثلاثين يوماً . وكان في طول سفرته هذه يرى شخصاً بين يديه يسبق كل شيء ، فسأله من هو ؟ فأخبره أنه ملك الموت ، فوقعت عليه الرعدة وتغير لونه وجعل ابنه رحبعم خليفته ، وأوصى الناس بالسمع والطاعة له . وأخذ في الصوم والصلاة طول ليله ، فإذا أصبح خرج من محرابه إلى روضة هناك فيها نبات حسن يتسلى به . فخرج في بعض الأيام فرأى نبتاً غريباً لم يكن قد رآه قبل ذلك اليوم . فقال : أيها النبت ما أنت ؟ قال : أنا الخرنوب الذي لا أنبت في موضع إلى خربته . فقال : قد أمرت أن أنبت هاهنا . فعاد سليمان من الغد وهو على حاله وقد زاد نباته . فقال له سليمان : ألم آمرك أن تلحق بموضعك من البراري . قال الخرنوب : يا نبي الله ، إن هذا الموضع سيخرب عن قريب ، فسكت سليمان . فلما ضعف عن العبادة توكأ على عصاه . فبينا هو في محرابه متوكئاً قائماً يتلو الزبور والتوراة إذ أتاه ملك الموت ، فرفع رأسه إليه فناوله شمة فشمها فمات . وبقي سليمان على حالته لم يسقط إلى الأرض ولم يتحرك ولا مال . فهابوه وما جسروا أن يتقدموا إليه . وقالوا : إنه لم يمت ، ولم تزل الإنس والجن والشياطين والوحش والطير في الطاعة والأعمال حتى مضت سنة ، ثم وقعت الأرضة في أسفل العصا ، فذلك قوله تعالى : " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته " فخر سليمان عند ذلك كالخشبة اليابسة ، وكانت الجن قبل ذلك تدعي علم الغيب ؛ قال الله تعالى : " فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين " أي في تلك السنة في نقل الصخور والبنيان وغير ذلك .
وحكى أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله تعالى في خبر وفاة سليمان - ع - : قال أهل التاريخ : لبث سليمان في ملكه بعد أن رده الله عليه تعمل له الجن ما يشاء

الصفحة 108