كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 109 """"""
من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابي وقدور راسيات وغير ذلك ، ويعذب من الشياطين من يشاء ، ويأمرهم بحمل الحجارة الثقيلة ونقلها إلى حيث أحب . فأتاهم إبليس وهم في العمل فقال : كيف أنتم ؟ فقالوا : ما بنا طاقة لما نحن فيه . فقال لهم : تذهبون تحملون الحجارة وترجعون فراغاً لا تحملوا شيئاً ؟ قالوا نعم . قال : فأنتم في راحة . فأبلغت الريح ذلك سليمان ، فأمرهم أن يحملوا ذاهبين وراجعين . فقال لهم إبليس : تعملون بالليل ؟ قالوا لا . قال : فأنتم في راحة . فأبلغت الريح ذلك سليمان ، فأمرهم أن يعملوا بالليل والنهار . فأتاهم إبليس فسألهم فشكوا إليه أنهم يعملون بالليل والنهار . فقال لهم إبليس : وفعلها ؟ قالوا : نعم . قال : فتوقعوا الفرج ، فقد بلغ الأمر منتهاه . فما لبثوا إلا يسيراً حتى مات سليمان .
قال ابن عباس وغيره : كان سليمان يتحنث في بيت المقدس السنة والسنتين والشهر والشهرين وأقل من ذلك وأكثر ، يدخل ومعه طعامه وشرابه ، فدخله في المرة التي مات فيها . قال : وكان بدء ذلك أنه لم يكن يوماً يصبح فيه إلا نبت في بيت المقدس شجرة فيسألها سليمان ما اسمك ؟ فتقول الشجرة : اسمي كذا وكذا . فيقول : لأي شيء تصلحين ؟ فتقول : لكذا وكذا ؛ فيأمر بها فتقطع ، فإن كانت تنبت لغرس غرسها ، وإن كانت لدواء كتب عليها لكذا وكذا . فبينا هو يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه ، فقال لها : ما اسمك ؟ فقالت : الخرنوبة . قال : ولأي شيء نبتي ؟ قالت : لخراب هذا المسجد . فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي ، أنت الذي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس . فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم قال : اللهم عم عن الجن موتي حتى يعلم الإنسان أن الجن لا يعلمون الغيب . وكانت الجن يخبرون الإنس أنهم يعلمون الغيب وأنهم يعلمون ما في غد . قال : ثم دخل سليمان المحراب فقام يصلي متكئاً على عصاه ، فمات على تلك الحالة ، ولم يعلم بذلك أحد من الشياطين ، وهم في ذلك يعملون له يخافون أن يخرج فيعاقبهم .
قال وقال عبد الرحمن بن زيد قال سليمان لملك الموت : إذا أمرت بي فأعلمني . قال : فأتاه فقال : يا سليمان قد أمرت بك وقد بقيت لك سويعة . فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحاً من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي واتكأ على عصاه ، فدخل عليه ملك الموت فبقض روحه وهو متكئ على عصاه .

الصفحة 109