كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 110 """"""
قال وفي رواية أخرى : أن سليمان قال ذات يوم لأصحابه : قد آتاني الله من الملك ما ترون ، وما مر علي يوم في ملكي بحيث صفا لي من الكدر ، وقد أحببت أن يكون لي يوم واحد يصفو لي إلى الليل ولا أغتم فيه ، وليكن ذلك غداً . فلما كان من الغد دخل قصراً له ، وأمر بإغلاق أبوابه ومنع الناس من الدخول عليه ورفع الأخبار إليه لئلا يسمع شيئاً يسوءه ، ثم أخذ عصاه بيده وصعد فوق قصره واتكأ عليها ينظر في ممالكه ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه ، عليه ثياب بيض قد خرج عليه من جانب قصره فقال : السلام عليك يا سليمان . فقال سليمان . وعليكم السلام ، كيف دخلت هذا القصر وقد منعت من دخوله ؟ أما منعك البواب والحجاب . أما هبتني حين دخلت هذا قصري بغير إذني فقال : أنا الذي لا يحجبني حاجب ، ولا يمنعني بواب ، ولا أهاب الملوك ، ولا أقبل الرشا ، وما كنت لأدخل هذا القصر بغير إذن . فقال سليمان : فمن أذن لك في دخوله ؟ قال : ربه . فارتعد سليمان وعلم أنه ملك الموت . فقال له : أنت ملك الموت ؟ قال نعم . قال : فيم جئت ؟ قال : جئت لأقبض روحك . قال : يا ملك الموت ، هذا يوم أردت أن يصفو لي وما أسمع فيه ما يغمني . قال له : يا سليمان ، إنك أردت يوماً يصفو لك فيه عيشك حتى لا تغتم فيه ، وذلك اليوم لم يخلق في الدنيا ، فارض بقضاء ربك فإنه لا مرد له . قال : فاقبض كما أمرت ، فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه .
قال الثعلبي قالوا : وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه ومصلاه أينما كان . وكان للمحراب كوى بين يديه ومن خلفه ، فكان الشيطان الذي يريد أن يدخل يقول : ألست جليداً إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب ، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر . فدخل شيطان من أولئك فمر ، ولم يكن شيطان ينظر إلى سليمان في المحراب إلا احترق ، فمر ولم يسمع صوت سليمان ، ثم رجع ولم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت فلم يحترق ، ونظر إلى سليمان - ع - قد سقط ميتاً ، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات ، ففتحوا عنه وأخرجوه ووجدوا منسأته وهي - العصا بلسان الحبشة - قد أكلتها الأرضة ، فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولاً كاملاً ، فأيقن الناس أن الجن كانوا يكذبونهم ، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان ، فلم يلبثوا في العذاب سنة يعملون .

الصفحة 110