كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 115 """"""
أميناً ، فانتظرها ، فلما أطلعت جاء طلعها خروباً ؟ . قالوا : بئست الأرض هذه ترى أن يهدم جدارها وقصرها ويدمر نهرها ويقبض قيمها ويحرق غرسها حتى تصير كما كانت أول مرة خراباً مواتاً لا عمران فيها . قال الله عز وجل لهم : إن الجدار ذمتي ، وإن القصر شريعتي ، وإن النهر كتابي ، وإن القيم نبيي ، وإن الغراس هم ، وإن الخروب الذي أطلع الغراس أعمالهم الخبيثة ، وإني قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم ، فإنه مثل ضربه الله لهم . يتقربون إلي بذبح البقر والغنم ، وليس ينالني اللحم ولا آكله . ويدعون أنهم يتقربون إلي بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها ، فأيديهم مخضوبة منها ، وثيابهم مترملة بدمائها ؛ يشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها ، وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها . فأي حاجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها وأي حاجة لي إلى تزويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر فيها ولأسبح ، ولتكون مصلى لمن أراد أن يصلي فيها . يقولون : لو كان الله يقدر على أن يجمع ألفتنا لجمعها ، ولو كان الله يقدر على أن يفقه قلوبنا لأفقهها ، فاعمد إلى عودين يابسين ثم ائت بهما ناديهم في أجمع ما يكونون ، فقل للعودين : إن الله يأمركما أن تكونا عوداً واحداً . فلما قال لهما ذلك اختلطا فصارا واحداً . فقال الله تعالى قل لهم : إني قد قدرت على أن أفقه العودين اليابسين ، وعلي أن أؤلف بينهما ، فكيف لا أقدر على أن أجمع ألفتهم إن شئت أم كيف لا أقدر على أن أفقه قلوبهم وأنا الذي صورتها . يقولون : صمنا فلم يرفع صيامنا ، وصلينا فلم تنور صلاتنا ، وتصدقنا فلم تزك صدقاتنا ، ودعونا بمثل حنين الحمام ، وبكينا بمثل عواء الذئاب ، في كل ذلك لا يسمع ولا يستجاب لنا . قال الله تعالى : فسلهم : ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ألست أسمع السامعين ، وأبصر الناظرين ، وأقرب المجيبين ، وأرحم الراحمين ألأن ذات يدي قلت وكيف ويداي مبسوطتان بالخير أنفق كيف أشاء ، ومفاتيح الخزائن عندي لا يفتحها غيري . أو

الصفحة 115