كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 116 """"""
لأن رحمتي ضاقت فكيف ورحمتي وسعت كل شيء ، وإنما يتراحم المراحمون بفضلها . أو لأن البخل يعتريني أولست أكرم الأكرمين . والنفاح بالخيرات أجود من أعطى وأكرم من سئل . لو أن هؤلاء القوم نظروا لأنفسهم بالحكمة التي تورث في قلوبهم النور فنبذوها واشتروا بها الدنيا ، إذاً لأبصروا من حيث أتوا ، وإذاً لأيقنوا عليه بطعمة الحرام وكيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني وينتهك محارمي أم كيف تزكو عندي صدقاتهم وهم يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المغصوبين . أم كيف استجيب لهم دعاءهم ، وإنما هو قول بألسنتهم والفعل من ذلك بعيد . إنما أستجيب للداعي البر ، وإنما أسمع قول المستعف المستكين . وإن من علامة رضاي رضا المساكين . فلو رحموا المساكين ، وقربوا الضعفاء ، وأنصفوا المظلوم ، ونصروا المغصوب ، وعدلوا للغائب ، وأدوا مال اليتيم والأرملة والمسكين وكل ذي حق حقه ، ثم لو كان ينبغي لي أن أكلم البشر إذاً لكلمتهم ، وإذاً لكنت نور أبصارهم ، وسمع آذانهم ، ومعقول قلوبهم ؛ وإذاً لدعمت أركانهم فكنت قوة أيديهم وأرجلهم ؛ وإذاً لثبت ألسنتهم وعقولهم . يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالاتي إنها أقاويل منقولة ، وأحاديث متوارثة ، وتآليف مما يؤلف السحرة والكهنة ، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا ، وأن يطلعوا على علم الغيب بما يوحي إليهم الشياطين لأطلعوا ، وكلهم يستخفي بالذي يقول ويسره ، وهم يعلمون أني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما يبدون وما يكتمون . وإني قد قضيت يوم خلقت السماء والأرض قضاء اثبته على نفسي وجعلت دونه أجلاً مؤجلاً لا بد أنه واقع ، فإن صدقوا فيما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه ، وفي أي زمان يكون . وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون فليأتوا بمثل القدرة التي بها أقضي ؛ فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون . وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي أدبر بها أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين . فإني قضيت يوم خلقت السموات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء ، وأجعل الملك في الرعاء ، والعز في الأذلاء ، والقوة في

الصفحة 116