كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 118 """"""
ذكر قصة إرميا عليه السلام
قال أبو إسحاق الثعلبي رحمه الله : استخلف الله تعالى على بني إسرائيل بعد قتلهم شعيا - ع - رجلاً منهم يقال له ناشية بن آموص ، وبعث لهم الخضر نبياً . قال : واسم الخضر إرميا بن حلقيا ، وكان من سبط هارون ابن عمران . قال : وإنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء . فقال الله عز وجل لإرميا حين بعثه إلى بني إسرائيل : يا إرميا ، من قبل أن خلقتك اخترتك ، ومن قبل أن أصورك في بطن أمك قدستك ، ومن قبل أن أخرجك من بطن أمك طهرتك ، ومن قبل أن تبلغ السعي نبأتك ، ولأمر عظيم اجتبيك ؛ فذكر قومك نعمي ، وعرفهم أحداثهم ، وادعهم إلي . وكانت الأحداث قد عظمت في بني إسرائيل فركبوا المعاصي واستحلوا المحارم . فقال إرميا : إني ضعيف إن لم تقوني ، عاجز إن لم تنصرني . فقال الله عز وجل : أنا ألهمك . فقام إرميا فيهم ولم يدر ما يقول ، فألهمه الله عز وجل خطبة طويلة بليغة ، بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ، وقال في آخرها : وإني أحلف بعزتي لأقبض لهم فتنة يتحير فيها الحكيم ، ولأسلطن عليهم جباراً قاسياً قلبه ، ألبسه الهيبة وأنزع من صدره الرحمة ، يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم . ثم أوحى الله تعالى إلى إرميا : إني مهلك بني إسرائيل بيافث ، ويافث أهل بابل ، وهم من ولد يافث بن نوح . فلما سمع ذلك إرميا صاح وبكى وشق ثيابه وسد الرماد على رأسه . فلما سمع الله عز وجل تضرعه وبكاءه ناداه : يا إرميا ، أشق عليك ما أوحيت إليك ؟ قال : نعم يا رب ، أهلكني قبل أن أرى في بني إسرائيل ما لا أسر به . فقال الله عز وجل : وعزتي لا أهلك بني إسرائيل حتى يكون الأمر في ذلك من قبلك . ففرح بذلك إرمياً وطابت نفسه وقال : لا والدي بعث موسى بالحق لا أرضى بهلاك بني إسرائيل . ثم أتى الملك فأخبره بذلك ، وكان ملكاً صالحاً ، ففرح واستبشر وقال : إن يعذبنا ربنا فبذنوب كثيرة ، وإن عفا عنا فبرحمته . ثم إنهم لبثوا بعد الوحي ثلاث سنين لم يزادوا إلا معصية وتمادياً في الشر ، وذلك حين اقترب هلاكهم ودعاهم الملك إلى التوبة فلم يفعلوا ، فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية يريد بيت المقدس . فلما فصل سائر أتى الخبر الملك فقال لإرميا : أين ما زعمت أن الله أوحى إليك ؟ فقال إرميا : إن الله عز وجل لا يخلف الميعاد وأنا به واثق . فلما قرب الأجل وعزم الله عز وجل على

الصفحة 118