كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 119 """"""
هلاكهم بعث الله تعالى إلى إرميا ملكاً فتمثل له رجلاً من بني إسرائيل فقال له : يا نبي الله ، أستفتيك في أهل رحمي ، وصلت أرحامهم ولم آت إليهم إلا حسناً ، ولا يزيد إكرامي إياهم إلا إسخاطاً لي ، فأفتني فيهم . فقال له : أحسن فيما بينك وبين الله وصلهم وأبشر بخير . فقام الملك فمكث أياماً ثم أقبل إليه في صورة ذلك الرجل فقعد بين يديه ، فقال له إرميا : أو ما ظهرت أخلاقهم لك بعد ؟ فقال : يا نبي الله ، والذي بعثك بالحق ما أعلم كرامة يأتيها أحد من الناس إلى أهل رحمه إلا قدمتها إليهم وأفضل . فقال له إرميا : ارجع إلى أهلك وأحسن إليهم ، واسأل الله تعالى الذي أصلح عباده الصالحين أن يصلحهم . فقام الملك فمكث أياماً وقد نزل بختنصر وجنوده حول بيت المقدس بأكثر من الجراد ، ففزع منهم بنو إسرائيل وشق عليهم . فقال ملكهم لإرميا : يا نبي الله ، أين ما وعدك الله ؟ قال : إني بربي واثق . ثم أقبل الملك إلى إرميا : ألم يأن لهم أن يفيقوا من الذي هم فيه ؟ فقال الملك : يا نبي الله ، كل شيء يصيبني منهم قبل اليوم كنت أصبر عليه ، فاليوم رأيتهم في عمل لا يرضى الله عز وجل . فقال إرميا : على أي عمل رأيتهم ؟ قال : على عمل عظيم من سخط الله ، فغضبت لله ولك وأتيتك لأخبرك . وإني أسألك بالله الذي بعثك بالحق إلا ما دعوت الله عليهم ليهلكهم . قال إرميا : يا ملك السموات والأرض إن كانوا على حق وصواب فأبقهم ، وإن كانوا على سخطك وعمل لا ترضاه فأهلكهم . فلما خرجت الكلمة من فم إرميا أرسل الله عز وجل صاعقة من السماء في بيت المقدس فالتهب مكان القربان وخسف بسبعة أبواب من أبوابها . فلما رأى ذلك إرميا وشق ثيابه ونبذ الرماد على رأسه وقال : يا ملك السموات والأرض ، أين ميعادك الذي وعدتني فنودي : إنه لم يصبهم الذي أصابهم إلا بفتياك ودعائك . فاستيقن إرميا أنها فتياه ، وأن ذلك السائل كان رسول ربه . فطار إرميا حتى خالط الوحوش . ودخل بختنصر وجنوده بيت المقدس ووطئ الشام وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس ، فقذفوا فيه التراب حتى ملئوه ؛ ثم أمرهم أن يجمعوا من كان في بلدان بيت المقدس كلهم ، فجمعوا عنده كل صغير

الصفحة 119