كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 12 """"""
فقال بعض علمائهم : أيها الملك ، كذب هؤلاء فيما ذكروه ، وهذا ساحر ، فلا يهولنك أمره . فبسط العذاب على أولئك النفر ، فاشتد ذلك على إلياس ، وخالفه الملك آجاب الذي كان قد آمن به ، ففارقته زوجته ولحقت بإلياس ؟ وكانت من الصالحات . قال : واتخذ إلياس عريشاً بالقرب من قصر الملك عاميل ، فأشرفت امرأة عاميل عليه في بعض الليالي وهو يعبد الله تعالى ، فنظرت إلى عمود من نور من لدن العريش في السماء ، فآمنت ولحقت به ، فأمر زوجها أن تلقى في النار ، فألقيت فيها ، فدعا إلياس - ع - الله تعالى لها ، فلم تعمل النار فيها شيئاً ، فأطلقها الملك ، فلحقت بإلياس . ثم مات ولد لعاميل الملك فجزع عليه وتضرع إلى صنمه فلم يغن عنه شيئاً ، فغضب وقال لإلياس : إن ابني قد مات وعجز إلهي عن إحيائه ، فهل تقدر أن تحييه ؟ فقال : هذا على ربي هين ، ودعا الله تعالى ، فقام الغلام يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن إلياس عبده ورسوله ، فآمن الملك وخرج عن الملك وتبع إلياس ولبس الصوف وعبد الله تعالى حتى مات ، وماتت زوجته وابنه . واستمر القوم في ضلالهم وكفرهم ما شاء الله ، وإلياس يدعوهم فلا يجيبونه ، فأوحى الله تعالى إليه أن ادعهم وأنذرهم ، فإن آمنوا وإلا حبست عنهم الغيث وابتليتهم بالقحط . فدعاهم فقالوا : إنا لا نؤمن بك ولا بربك ، فاصنع ما أنت صانع . فحبس الله عز وجل عنهم المطر ، وغارت العيون وجفت الأشجار ، فأكلوا ما عندهم حتى نفد ، ثم أكلوا المواشي حتى أكلوا الكلاب والسنانير والفيران ، وبلغ بهم الجوع حتى كانوا يأكلون من مات منهم ، وإلياس بينهم وهم لا يرونه ، ويدعونه وهو لا يجيبهم ، وكان الله تعالى قد جعل أمر أرزاقهم إليه ، فأوحى الله إليه أن السماء والأرض ومن عليها قد بكت على هؤلاء ، وقد هلك كثير من خلقي بسببهم ، وكل يدعوك ولا ترحمهم ، فانصف خلقي يا إلياس ، فإني أعصى فأرزُق ، وأكفر فأحلم . ففزع إلياس وقال : يا رب ما غضبت إلا لك ، وأنت أعلم بمصالح عبادك . فأوحى الله إليه أن سر إليهم وادعهم ، فإن آمنوا وإلا كنت أرأف بهم منك .
قال : فانطلق إلياس حتى صار إلى أول قرية من قرى مدينتهم ، فمر بعجوز فقال لها : هل عندك طعام ؟ فقالت : وحق إلهي بعل ما دقتُ الخبز منذ مدة . قال : فهلا تؤمنين بالله فقالت : إن ابني اليسع على دين إلياس ، ولا أراه ينتفع به وقد أشرف على الموت من الجوع . فقال له إلياس . يا اليسع ، أتحب أن تأكل الخبز ؟ فصاح : كيف لي

الصفحة 12