كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 15 """"""
وهي مع ذلك قد تزوجت سبعة ملوك من ملوك بني إسرائيل وقتلتهم كلهم بالاغتيال ؛ وكانت معمرة حتى يقال : إنها ولدت سبعين ولداً . وكان لآجاب هذا جار من بني إسرائيل رجل صالح يقال له مزدكى وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها ، وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته ، فكانا يشرفان على تلك الجنينة ويتنزهان فيها ، ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها ، وكان آجاب في ذلك يحسن جوار مزدكى صاحبها ويحسن إليه ، وامرأته أرايل تحسده على ذلك لأجل تلك الجنينة ، وتحتال في أن تغتصبها منه لما تسمع الناس يذكرون الجنينة ، ويتعجبون من حسنها ويقولون : ما أحرى أن تكون هذه الجنينة لأهل هذا القصر ، ويتعجبون من الملك وامرأته كيف لم يغصباها صاحبها . فلم تزل المرأة تحتال على العبد الصالح مزدكى أن تقتله وتأخذ جنينته ، والملك ينهاها عن ذلك . ثم اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت غيبته ، فاغتنمت المرأة غيبة الملك واحتالت على مزدكى صاحب الجنينة ، وهو غافل عما تريد مقبل على عبادة ربه وإصلاح جنينته ، فجمعت أرايل جمعاً من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكى أنه سب زوجها الملك آجاب ، فأجابوها إلى ملتمسها من الشهادة عليه ، وكان حكمهم في ذلك الزمان على من سب الملك القتل إذا قامت البينة عليه بذلك . فأحضرت مزدكى وقالت : بلغني أنك سببت الملك وعبته ، فأنكر ذلك . فقالت : إن عليك شهوداً ، وأحضرت الشهود فشهدوا عليه بحضرة الناس ، فأمرت بقتل مزدكى ، فقتل وأخذت جنينته غصباً ، فغضب الله عز وجل عليهم للعبد الصالح . فلما قدم الملك من سفره قال لها : ما وفقت وما أصبت ، ولا أرانا نفلح بعده أبداً ، وإن كنا عن جنينته لأغنياء ، قد كنا نتنزه فيها ، وقد جاورنا وتحرم بنا منذ زمان طويل ، فأحسنا جواره ، وكففنا عنه الأذى لوجوب حقه علينا ، فختمت أمره بأسوأ حال الجوار . وما حملك على اجترائك عليه إلا سفهك وسوء رأيك وقلة عقلك وقلة تفكرك في العواقب . فقالت : إنما غضبت لك وحكمت بحكمك . قال : أو ما كان يسعه حلمك ويحدوك عظم خطرك على العفو عن رجل واحد فتحفظين له جواره قالت : قد كان ما كان .

الصفحة 15