كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 16 """"""
فبعث الله تعالى إلياس - ع - إلى آجاب الملك وقومه ، وأمره أن يخبرهم أن الله تعالى قد غضب لوليه حين قتلوه بين أظهرهم ظلماً ، وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ولم يردا الجنينة على ورثة مزدكى أن يهلكهما ، يعني آجاب وامرأته ، في جوف الجنينة أشر ما يكون بسفك دمهما ، ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها حتى تتعرى عظامهما من لحومهما ، ولا يمتعان بها إلا قليلاً .
قال : فجاء إلياس - ع - إلى الملك وأخبره بما أوحى الله عز وجل إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة . فلما سمع الملك ذلك اشتد غضبه عليه ، ثم قال له : يا إلياس ، والله ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلاً ، والله ما أرى فلاناً وفلاناً - سمى ملوكاً منهم قد عبدوا الأوثان - إلا على مثل ما نحن عليه ، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين ، ما ينقص من دنياهم أمرهم الذي تزعم أنه باطل ، وما نرى لنا عليهم من فضل .
قال : وهم الملك بتعذيب إلياس وقتله . فلما سمع إلياس - ع - ذلك وأحس بالشر ، رفضه وخرج عنه . فلحق بشواهق الجبال ، ودعا الملك الناس إلى عبادة بعل ، وارتقى إلياس - ع - أصعب جبل وأشمخه ، فدخل مغارة فيه . فيقال : إنه بقي فيه سبع سنين شريداً طريداً خائفاً ، يأوى الشعاب والكهوف ، ويأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه قد وضعوا عليه العيون يتوكفون أخباره ويجتهدون في أخذه ، والله تعالى يستره ويدفع عنه . فلما تمت له سبع سنين أذن الله تعالى في إظهاره عليهم ، وشفا غيظه منهم ، فأمرض الله تعالى ابنا لآجاب الملك وكان أحب ولده إليه وأعزهم عليه وأشبههم به ، فأدنف حتى يئس منه ، فدعا صنمه بعلا ؛ وكانوا قد فتنوا به وعظموه حتى جعلوا له أربعمائة سادن وكلهم به وجعلوهم أنبياءه ، وكان الشيطان يوسوس إليهم بشريعة من الضلالة ، فيبينونها للناس فيعملون بها ، ويسمونهم الأنبياء . فلما اشتد مرض ابن الملك طلب إليهم أن يشفعوا إلى بعل ، ويطلبوا لابنه من قبله الشفاء والعافية ، فدعوه فلم يجبهم ،

الصفحة 16