كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
لذلك : كن فيكون . فقالت له مريم : أو لم تعلم أن الله تبارك وتعالى خلق آدم وامرأته حواء من غير ذكر ولا أنثى قال بلى فلا قالت له ذلك وقع في نفسه أن الذي بها شيء من أمر الله ، وأنه لا يسعه أن يسألها عنه ، وذلك لما رأى من كتمانها . وقال الكسائي : لما قال يوسف لمريم : هل يكون ولد من غير فحل ؟ قالت : نعم ، آدم من غير أب وأم . قال صدقت . ثم قال : هذا الولد الذي في بطنك من أبوه ؟ قالت : هذا هبة ربي لي ، ومثله كمثل آدم خلقه من تراب . فنطق عيسى في بطنها وقال : يا يوسف ما هذه الأمثال التي تضربها قم فاشتغل بصلاتك واستغفر لذنبك مما قد وقع في قلبك . فقام يوسف وجاء إلى زكريا وأخبره ، فاغتم وقال لامرأته : إن مريم حامل ، وأخاف من فساق بني إسرائيل أن يتهموا يوسف بها . قالت : توكل على الله واستعن به فإنه يرد عنها مقالة الفساق .
قالوا : ثم تولى يوسف خدمة المسجد وكفاها كل عمل كانت تعمل فيه لما رأى من رقة جسمها ، واصفرار لونها ، وكلف وجهها ، ونتوء بطنها ، وضعف قوتها . والله أعلم .
ذكر خبر ميلاد عيسى بن مريم عليهما السلام
قال الكسائي رحمه الله : فلما دنا وقت الولادة خرجت مريم في جوف الليل من منزل زكريا حتى صارت إلى خارج بيت المقدس ؛ فذلك قوله تعالى : " فحملته فانتبذت به مكاناً قصياً " . قال : وأخذها الطلق . فنظرت إلى نخلة يابسة فجلست تحتها فاخضرت النخلة من ساعتها وصار لها سعفاً وخوصا وحملت الرطب لوقتها ، وأنبع الله في اصل النخلة عيناً من الماء . قال : وعن وهب أنه لما دنت ولادة مريم عليها السلام أوحى الله تعالى إليها أن تخرج من المحراب فتبوأ منزلاً تلد فيه ، فتحولت إلى بيت خالتها أم يحيى بن زكريا لتلد في بيتها . قال : فلما دخلت عليها استقبلتها أم يحيى وسلمت عليها . فلما التقيا أحست أم يحيى بسجود من في بطنها ، فقالت : يا مريم ، إن الذي في بطني يسجد لما في بطنك .