كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)

"""""" صفحة رقم 168 """"""
قبل هذا وكنت نسياً منسياً " . قال : واشتد عليها البرد ، فعمد يوسف إلى حطب فجعله حولها كالحظيرة ، ثم أشعل فيه النار فأدفأها ، وكسر لها سبع جوزات فأكلتها . فمن أجل ذلك توقد النصارى النار ليلة الميلاد وتلعب بالجوز . قال وقال كعب : إنها خرجت منفردة ، فلما فقدها زكريا أهمه ذلك ، وبعث يوسف النجار في طلبها ، فجاء حتى نظر إليها تحت النخلة . قال : ولما شكت من ألم الولادة ما شكت وقالت : " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً " أي لا تعرف ولا تذكر " فناداها من تحتها " - قيل : إن الذي ناداها عيسى . وقيل : جبريل - " أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً " وهو الجدول الصغير . قالوا : كان نهراً من ماء عذب ، يكون بارداً إذا شربت منه ، وفاتراً إذا استعملته " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً " أي نضيجا " فكلي واشربي وقري عيناً " أي كلي واشربي من الماء الذي أنبعه الله لك وقري عيناً بهذا الولد " فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً " أي صمتاً " فلن أكلم اليوم إنسياً " قال : فلما جاء يوسف النجار كلمها فلم تتكلم ، فتكلم عيسى في حجرها وقال : يا يوسف ، أبشر وقر عيناً وطب نفساً ، فقد أخرجني ربي من ظلمة الرحم إلى ضوء الدنيا ، وسآتي بني إسرائيل وأدعوهم إلى طاعة الله .
واختلف العلماء في مدة حمل مريم عليها السلام بعيسى ووقت وضعها إياه ، فقال بعضهم : كان تسعة أشهر كحمل سائر النساء ، وقيل : ثمانية أشهر ، وكان ذلك آية أخرى لأنه لم يعش مولود يوضع لثمانية أشهر غير عيسى ، وقيل : ستة أشهر ، وقيل : ثلاثة ساعات ، وقيل ساعة واحدة . وقال ابن عباس : ما هو إلا أن حملت فوضعت ، ولم يكن بين الحمل والانتباذ إلا ساعة واحدة ؛ لأن الله تعالى لم يذكر بينها فصلاً . وقال مقاتل : حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها وهي بنت عشر سنين ، وقد كانت حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى - ع - . قال : فانصرف يوسف إلى زكريا وأخبره بولادة مريم وكلام عيسى ، فازداد زكريا غماً لما يقوله الناس . قال الثعلبي قال وهب : فلما ولد عيسى - ع - أصبحت الأصنام كلها بكل أرض منكوسة على رءوسها ، ففزعت الشياطين ولم يدروا لم ذلك ، فساروا مسرعين حتى جاءوا إبليس وهو على عرش له في لجة خضراء يتمثل بالعرش يوم كان على الماء ، فأتوه وقد خلت ست ساعات من النهار . فلما رأى إبليس جماعته فزع من ذلك ولم يرهم جميعاً منذ فرقهم قبل تلك الساعة إنما كان يراهم أشتاتاً ، فسألهم ، فاخبروه أنه حدث في الأرض حادث أصبحت الأصنام كلها منكوسة على رءوسها ، ولم يكن شيء أعون على هلاك بني آدم منها لما يدخل في أجوافها فتكلمهم وتدبر أمرهم ، فيظنون أنها هي التي تكلمهم ، فلما أصابها هذا الحادث صغرها في أعين بني

الصفحة 168