كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
آدم وأذلها . وقد خشينا ألا يعبدوها بعد هذا . واعلم إنا لم نأتك حتى أحصينا الأرض وقلبنا البحار وكل شيء ، فلم تزدد بما أردنا إلا جهلاً . فقال لهم إبليس : إن هذا لأمر عظيم ، فكونوا على مكانكم . وطار إبليس عند ذلك ولبث عنهم ثلاث ساعات ، فمر بالمكان الذي ولد فيه عيسى - ع - . فلما رأى الملائكة محدقين بذلك المكان علم أن ذلك الحادث فيه ، فأراد إبليس أن يأتيه من فوقه فإذا فوقه رءوس الملائكة ومناكبهم إلى السماء ، ثم أراد أن يأتيه من تحت الأرض فإذا أقدام الملائكة راسية ، فأراد أن يدخل من بينهم فنحوه عن ذلك ، فرجع إبليس إلى أصحابه فقال : ما جئتكم حتى أحصيت الأرض كلها شرقها وغربها وبرها وبحرها والخافقين والجو الأعلى ، وكل هذا بلغته في ثلاث ساعات ، وأخبرهم بمولد عيسى - ع - وقال : ما أشتملت قبله أم على ولد إلا بعلمي ، ولا وضعته قط إلا وأنا حاضرها . وإني لأرجو أن أضل به كثيراً ممن يهتدي ، وما كان نبي قبله أشد علي وعليكم من هذا المولود .
قال : ثم خرج من تلك الليلة قوم يؤمونه من أجل نجم طلع ، وكانوا قبل ذلك يتحدثون أن مطلع ذلك النجم من علامات مولود في كتاب دانيال ، فخرجوا يريدونه ومعهم الذهب والمُرُّ واللبان ، فمروا بملك من ملوك الشام ، فسألهم أين تريدون ؟ فأخبروه بخبرهم . قال : فما بال الذهب والمر واللبان أهديتموه له من بين الأشياء كلها ؟ قالوا : تلك أمثاله ؛ لأن الذهب سيد المتاع كله ، وكذلك هذا النبي سيد أهل زمانه . ولأن المر يجبر به الكسر والجرح ، وكذلك هذا النبي يشفي الله تعالى به كل سقيم ومريض . ولأن اللبان يبلغ دخانه إلى السماء ولا يبلغها دخان غيره ، وكذلك هذا النبي يرفعه الله تعالى إلى السماء ولا يرفع في زمانه أحداً غيره . فلما قالوا ذلك للملك حدث نفسه بقتله فقال : اذهبوا ، فإذا علمتم مكانه فاعلموني ذلك فإني راغب في مثل ما رغبتم فيه من أمره . فانطلقوا حتى دفعوا ما كان معهم من تلك الهدية إلى مريم ، وأرادوا أن يرجعوا إلى الملك ليعلموه بمكان عيسى ، فلقيهم ملك