كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 14)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
فجعلها فيه . ووضع جميع تلك الثياب فيه وانصرف إلى أمه . فلما كان من الغد جاء الصباغ إلى الحانوت فنظر إلى ما فعله عيسى ، فقال له : يا عيسى أهلكتني وأفسدت ثياب الناس . قال عيسى : يا صباغ ، ما دينك ؟ قال : دين اليهود . قال : قل : لا إله إلا الله وأني عيسى روح الله ، وأدخل يدك في هذا التيغار وأخرج كل ثوب على ما تريد . فآمن الصباغ بالله وبعيسى - ع - وأدخل يده فأخرج كل ثوب على ما أراده أصحابه . قال : وظهر لعيسى بمصر معجزات كثيرة .
ذكر خبر زكريا عليه السلام مع هيرودس الملك وما كان من أمره
قال الكسائي : ولما كان من أمر عيسى - ع - وكلامه ما قدمناه وتنكست الأصنام ليلة مولده ، جاء إبليس لعنه الله إلى الملك في صورة شيخ وقال له : أيها الملك ، إن لك عندي نصيحة فاخل معي . فخلا به وقال : ما نصيحتك ؟ قال : قد بلغك ما كان من شأن المولود الذي تكلم في المهد . قال نعم . قال : وقد رأيت ما حل بالأصنام من شؤم مولده ، وإنه لخلق أن يشمل الأرض كلها بشؤمه ، وأنت فلا يمكنك قتله الآن لخروجه من بلادك ، وأرى أن تفعل أمراً يتشاءم الناس بسببه بهذا المولود يعينونك على قتله ، وأنت مع ذلك تطلبه . فإن ظفرت به ذبحته . قال الملك : فما الذي رأيت ؟ فلعمري لقد وقع في نفسي إنك لخليق أن يكون عندك رأي ومكيدة . قال : تذبح الولدان ، فإن ذلك يبغضه إلى الناس ويتشاءمون به فيكفوك أمره . قال : لقد أتيت بالأمر على وجهه ، وأمر بذبح الولدان من سنتين فما دونهما ، فوقع الذبح في صبيان بني إسرائيل . قال : ثم انطلق إبليس إلى مجلس بني إسرائيل وموادبهم يقول : الفاحشة في مريم ويقذفها بزكريا ، يعرض بذلك لخيارهم ، ويبوح به ويصرح لشرارهم ، حتى شاعت الفاحشة على زكريا . فلما رأى زكريا ذلك هرب واتبعه سفهاؤهم وشرارهم ، وسلك في واد كثير النبت ، حتى إذا تواسط الوادي انفرجت له شجرة فدخلها وأقبل القوم في طلبه ، وإبليس يقدمهم حتى أوقفهم عليه وهو في الشجرة وقد التحمت عليه ، فأشار عليهم بقطعها ، فقطعت . ثم قال لهم : أي العقوبة والنكال أبلغ في هذا الذي أورث آباءكم الطيبين إبراهيم وإسحاق ويعقوب وذريتهم من بعدهم الفضيحة والعار ؟ . قالوا : القتل أو النشر . فأشار عليهم بنشره ، فنشروه نصفين ثم انصرفوا عنوه ، وغاب عنهم إبليس لعنه الله . وبعث الله تعالى الملائكة فغسلوا زكريا وصلوا عليه ثلاثة أيام ثم دفنوه . وقد قيل في مقتل زكريا غير هذا ، وقد تقدم في أخباره . والله أعلم .